في أول مقابلة صحفية له منذ توليه المنصب عام 2021، قدّم رئيس جهاز الاستخبارات في حركة طالبان، عبد الحق وثيق، سرداً دعائياً لصورة جهازه الأمني، واصفاً إياه بأنه "الأكثر قبولاً في تاريخ أفغانستان"، ومؤكداً على أن البلاد تعيش اليوم حالة من الاستقرار غير المسبوق. وذلك في لقاء مع شبكة "الجزيرة".
لكن تقارير حقوقية ودولية، أفادت خلال السنوات الماضية بمقتل المئات من الجنود والمسؤولين السابقين في ظروف غامضة، وغالباً ما وُجّهت أصابع الاتهام إلى عناصر الاستخبارات التابعة لطالبان. كما سبق أن أوردت تقارير أممية وجود صلات بين قادة في الحركة وشبكات تهريب البشر وتجارة المخدرات العابرة للحدود.
وفي سياق حديثه، شدد مولوي عبد الحق وثيق على أن "الاستخبارات مدعومة شعبياً"، وأن "الشعب يقف اليوم جنباً إلى جنب" مع نظام طالبان، إلا أن منظمات دولية، بينها الأمم المتحدة، سبق أن وثّقت انتهاكات بحق مدنيين، شملت الاعتقالات والتعذيب والتهديد، إضافة إلى تضييق على الحريات العامة ووسائل الإعلام.
نفي وجود مقاتلين أجانب
وفي رده على سؤال "الجزيرة" حول "ادعاء بعض الدول أن مقاتلين أجانب خصوصا من سوريا، يُنقلون إلى أفغانستان"، قال رئيس استخبارات طالبان إن هذه المزاعم "لا أساس لها"، متهماً جهات ودولاً ومنظمات بـ"إعداد تقارير مفبركة تهدف لإثارة الشكوك والتشويش على صورة الإمارة الإسلامية".
واعتبر أن هذه التقارير "تُعد بتوجيه من دوائر مخربة خاصة، دون الاعتماد على وثائق دقيقة أو تحقيقات ميدانية".
وقال وثيق: "كما ينبغي أن تُؤخذ ملاحظات أفغانستان الأمنية ومخاوفها بعين الاعتبار، كذلك يجب ألا تُغفل جهود أفغانستان في سبيل الأمن الإقليمي والدولي، إنه من الضروري إيجاد آليات مشتركة للأمن على المستويين الإقليمي والدولي، وأفغانستان ملتزمة في هذا المجال بجميع مسؤولياتها وفقا لأحكام الشريعة".
يأتي ذلك رداً على ما قاله المندوب الدائم لإيران لدى الأمم المتحدة أمير سعيد إيرواني خلال كلمته في مجلس الأمن الشهر الماضي، الذي قال: "نحن قلقون بشدة من التقارير الموثوقة التي تفيد بانتقال بعض العناصر الإرهابية والمقاتلين الإرهابيين الأجانب من سوريا إلى أفغانستان، وهو ما يشكل تهديداً مباشراً لجيران أفغانستان وللاستقرار الإقليمي".
وكانت تقارير أممية سابقة قد حذّرت من أن أفغانستان ما زالت تشكّل بيئة خصبة لنشاط جماعات متطرفة، تضم مقاتلين أجانب من دول عدة.
وفي المقابلة ذاتها، دعا وثيق الأمم المتحدة إلى "فتح تحقيق دولي محايد" بشأن المزاعم المتعلقة بوجود تلك الجماعات، مؤكداً استعداد طالبان للتعاون الكامل.
التعاون مع الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب
وفي ما يبدو أنه رسالة موجهة إلى الداخل وتطمينات للتنظيمات المسلحة الحليفة مع طالبان حسب ما يرى مراقبون، قال عبد الحق وثيق إن طالبان لا تمتلك "أي شراكة أو اتفاق رسمي مع أي طرف في إطار مكافحة الإرهاب"، مضيفاً أن الإجراءات الأمنية في أفغانستان تستند إلى "الولاء والبراء الشرعي" وأحكام الشريعة الإسلامية.
ويأتي هذا النفي رغم تقارير دولية تحدثت عن لقاءات متعددة جمعت مسؤولين في استخبارات طالبان، من بينهم عبد الحق وثيق نفسه، مع مسؤولين في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA) في العاصمة القطرية الدوحة، خلال السنوات الماضية، في إطار تفاهمات أمنية غير معلنة، ودعم مالي مقدم من الوكالة لطالبان في مكافحة الإرهاب.
جهاز استخباراتي "إسلامي ومنظّم"
وفي ردّه على الانتقادات، اعتبر وثيق أن الحكومة الأفغانية السابقة كانت "نتيجة احتلال أجنبي"، وأن استخبارات طالبان "تعمل اليوم ضمن قانون إسلامي شامل"، مشيراً إلى أن الجهاز "خالٍ من الاعتقالات العشوائية والتعذيب"، وأن "من يدّعي انتهاك حقوقه يمكنه اللجوء إلى المحاكم الشرعية".
لكن في المقابل، وثّقت منظمات دولية عشرات الحالات التي تشير إلى ممارسة التعذيب في مراكز الاحتجاز التابعة لطالبان، فضلاً عن حملات اعتقال طالت جنوداً سابقين وناشطين ومواطنين عاديين.
كما اتُّهمت الحركة باستخدام الرهائن الأجانب كورقة تفاوض دبلوماسية، إذ احتجزت في السنوات الأخيرة عدداً من المواطنين الغربيين لمبادلتهم بسجناء من عناصرها.
وكان وثيق أشار في المقابلة إلى "تطهير الجهاز من العناصر غير المرغوبة واستبدالهم بكوادر مهنية من أبناء المجتمع الإسلامي"، في إشارة إلى استبعاد جميع منتسبي الأجهزة الأمنية السابقة، وإسناد المناصب لعناصر الحركة فقط.
محاربة داعش والفساد
وبشأن تنظيم داعش، الذي يعتبر التهديد الأبرز لحركة طالبان، قال وثيق إن أفغانستان نجحت في "القضاء على معاقل التنظيم"، مشيراً إلى أن قادته "إما قتلوا أو فرّوا إلى دول الجوار".
واتهم بعض الجهات الخارجية بـ"تضخيم خطر التنظيم"، وقال إن "داعش أُنشئ بوساطة دوائر استخبارية أجنبية"، مضيفاً أن "مقاتليه يعبرون إلى أفغانستان من دول أخرى"، حسب وصفه.
وتأتي هذه التصريحات رغم تقارير أشارت إلى أن طالبان أطلقت سراح مئات من عناصر التنظيم بعد سيطرتها على كابل وفتح السجون في 2021، فضلاً عن تسجيل عمليات تبنّاها التنظيم خلال العامين الماضيين، طالت مدنيين وأجانب ومسؤولين في الحركة.
المعارضة المسلحة
وفي ما يتعلق بالمعارضة المسلحة الموجودة في الخارج، قلل رئيس استخبارات طالبان من شأنها، واعتبر أن "من يعلنون القتال من الخارج لا يملكون أي منطق شرعي"، ودعاهم إلى الاستفادة من "فرصة العفو العام"، حسب تعبيره، دون أن يتطرق إلى قوتهم أو العمليات التي نفذوها.
وأظهرت وثائق وشهادات متداولة أن عدداً من الأشخاص الذين شملهم "العفو العام" الذي أعلنته طالبان عقب سيطرتها على الحكم، قُتلوا لاحقاً، بينهم موظفون حكوميون سابقون وجنود وأفراد من المقاومة.
رسائل إلى الخارج
وختم رئيس جهاز الاستخبارات حديثه بالتأكيد على أن "أفغانستان بلد محب للسلام"، داعياً إلى "إنشاء آليات أمنية مشتركة في المنطقة"، ومطالباً المجتمع الدولي بـ"أخذ مخاوف أفغانستان الأمنية بعين الاعتبار".
كما شدد على التزام طالبان بـ"عدم تهديد أي طرف" و"العمل من أجل استقرار المنطقة".
لكن هذه الرسائل، التي تتكرر في خطابات قادة طالبان، تتناقض مع استمرار التقارير الحقوقية الدولية التي تحذر من تدهور أوضاع الحريات وحقوق الإنسان في أفغانستان، وخصوصاً بحق النساء والمعارضين السياسيين، في ظل سلطة استخباراتية شاملة لا تخضع لأي رقابة أو محاسبة.
فيما تتزايد المطالب الدولية بضرورة إخضاع جهاز الاستخبارات لمساءلة قانونية ومراقبة دولية، تواصل حركة طالبان تقديم صورة وردية تخالف ما توثقه الوقائع يومياً في الميدان.