طالبان تُنشئ وحدة عسكرية قوامها «ألف مقاتل» في شمال أفغانستان

أعلنت طالبان أنها ستُنشئ وحدة عسكرية قوامها ألف مقاتل لتعزيز أمن المناطق الحدودية في ولايات شمال أفغانستان.

أعلنت طالبان أنها ستُنشئ وحدة عسكرية قوامها ألف مقاتل لتعزيز أمن المناطق الحدودية في ولايات شمال أفغانستان.
واتُّخذ هذا القرار خلال اجتماع في سمنغان بحضور ولاة طالبان في الولايات الشمالية الغربية ومسؤولين محليين آخرين.
وقال المتحدث باسم والي طالبان في بلخ، في بيان نُشر يوم الجمعة، إن الاجتماع عُقد في مدينة أيبك بولاية سمنغان، بمشاركة ولاة إقليم الشمال الغربي، وقادة الشرطة، ورؤساء الاستخبارات، ونائب فيلق 209 التابع لطالبان، ورئيس المحكمة العسكرية في بلخ.
وأضاف المتحدث أن هذه الوحدة المكوّنة من ألف عنصر ستكون قادرة على الوصول بسرعة إلى المناطق الحدودية عند الحاجة.
وجاء هذا القرار في وقت شهدت الحدود قبل أيام حادثتين أُطلقت فيهما نيران من داخل الأراضي الأفغانية باتجاه طاجيكستان، ما أدى إلى مقتل خمسة أشخاص، بينهم ثلاثة مواطنين صينيين، وإصابة خمسة آخرين.
وأصدرت وزارة خارجية طالبان الأسبوع الماضي بياناً أدانت فيه الهجمات، وأكدت استعدادها الكامل لضمان أمن الحدود وإجراء تحقيقات مشتركة بشأن الحادث.
في وقت سابق، أعلنت منظمة معاهدة الأمن الجماعي في أواخر شهر حمل الماضي أن دولها الأعضاء تشعر بالقلق من الوضع في أفغانستان والتهديدات المتزايدة القادمة من ولاياتها الشمالية.
وقالت المنظمة إنها تشعر بالقلق إزاء "التهديدات المتصاعدة" من شمال أفغانستان، وأكدت ضرورة تبنّي برنامج موجَّه بين الدول الأعضاء لتعزيز أمن حدود طاجيكستان مع أفغانستان.
وبحسب المعلومات التي قدّمتها منظمة معاهدة الأمن الجماعي، فإن برنامج تعزيز حدود طاجيكستان مع أفغانستان سيبدأ في عام 2025 على ثلاث مراحل، ضمن خطة تنفيذ تمتد لخمس سنوات.






قال تجار باكستانيون لصحيفة «دان» إن إغلاق المعابر الحدودية مع أفغانستان خلال الشهرين الماضيين كبّدهم خسائر تتجاوز 4 ملايين دولار يوميًا، محذّرين من أن باكستان بهذه السياسة «تفقد بسرعة» أسواق أفغانستان وآسيا الوسطى.
وأوضح التجار أنهم، إضافةً إلى عدم قدرتهم على تنفيذ التزاماتهم التعاقدية تجاه الشركاء الأفغان وشركاء آسيا الوسطى بشأن التسليم في الوقت المحدد، اضطروا أيضًا لدفع تكاليف إضافية تتراوح بين 150 و200 دولار عن كل مركبة متوقفة على الحدود.
وقالوا إنه لم يتبقَّ أمامهم في ظل هذه الظروف سوى «الرثاء على موت التجارة الثنائية».
وقال ضياء الحق سرحدي، نائب رئيس غرفة التجارة والصناعة الباكستانية ـ الأفغانية المشتركة، إن حجم التجارة مع أفغانستان يمكن أن يصل إلى 5 مليارات دولار سنويًا، إلا أنه انخفض للأسف بسبب الأوضاع غير المستقرة الحالية إلى نحو 700–800 مليون دولار فقط في السنة.
وأضاف أن التراجع المستمر في التجارة الثنائية يضع الاقتصاد الوطني والإنتاج المحلي في وضع «خطير»، وأن تعويض هذه الخسائر في السنوات المقبلة سيكون صعبًا للغاية.
وطالب سرحدي الحكومة الفيدرالية بوضع آلية دعم شاملة للتجار وشركات النقل، وإعفائهم من تكاليف توقف المركبات على الحدود.
من جانبه، قال زاهد الله شينواري، الرئيس السابق لغرفة تجارة وصناعة منطقة سرحد، إن استعادة الأسواق في أفغانستان وآسيا الوسطى ستكون شديدة الصعوبة بالنسبة لباكستان، لأن هذه الأسواق باتت مليئة الآن بالمنتجات الإيرانية والهندية.
وأوضح: «معظم بضائعنا إمّا تلفت أو انتهت صلاحيتها بسبب التأخير الطويل، ولا أحد على المستوى الفيدرالي أو الإقليمي مستعد لتعويض خسائرنا».
وأضاف شينواري أن الصناعات في ولايتي السند والبنجاب تضررت بشدة، لكن إقليم خيبرپختونخوا قد يكون الأكثر تضررًا لكونه يعتمد على الفحم الأفغاني منخفض التكلفة.
وأكد أن المنتجات الباكستانية المحلية تتمتع بسوق مربحة في أفغانستان، لكن استمرار الإغلاق يهدد هذه الفرصة.
وقال: «إلى جانب الخسائر المالية الضخمة، نحن قلقون من فقدان آلاف العمال الصناعيين لوظائفهم، وهو ما قد يشكل تهديدًا خطيرًا للوضع الأمني الهش في خيبرپختونخوا».
وذكر التاجر شاهد حسين للصحيفة أن البضائع التصديرية المتوقفة على المعابر تشمل: المنسوجات، الأدوية، مواد البناء، الأسمنت، الأرز، الذرة، الآلات والمعدات الزراعية، الأجهزة الكهربائية، قطع غيار السيارات، إضافة إلى المواد الخام لمصانع إنتاج أعلاف الدجاج، والأرز والدقيق في مختلف المدن الأفغانية.
وحذّر من أن الأدوية والمواد الخام بقيمة ملايين الدولارات معرضة للتلف، في حين أن جميع البضائع غير القابلة للتلف أعيدت إلى الأسواق المحلية وبيعَت بأسعار منخفضة للغاية.

قالت وزارة الخارجية الباكستانية إن زيارة الوفد التركي رفيع المستوى، التي كان مقرّرًا أن يصل إلى إسلام آباد بهدف الوساطة بين طالبان وباكستان، لم تتم بسبب عدم تعاون طالبان.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد أعلن عن هذه الزيارة خلال لقائه شهباز شریف في باكو.
وقال طاهر أندرابي، المتحدث باسم وزارة الخارجية الباكستانية، يوم الجمعة ، إن باكستان كانت مستعدة لاستقبال الوفد، لكن الزيارة «لم تُنفّذ بسبب مسائل تتعلق بالتوقيت، وربما بسبب عدم تعاون طالبان». وأضاف: «هذا السؤال يجب أن يُوجَّه إلى طالبان، وموقف باكستان في هذا الشأن واضح وثابت».
وكان عرفان نذیراوغلو، سفير تركيا لدى باكستان، قد أعلن الجمعة الماضية أن الوفد سيضم رئيس جهاز الاستخبارات التركي وعددًا من كبار المسؤولين، وأنهم سيزورون باكستان قريبًا.
وأكد نذیراوغلو، معبّرًا عن مخاوف أنقرة الأمنية، أن تركيا «تُصر بشدة على ألّا تُستخدم الأراضي الأفغانية من قبل أي فرد أو جماعة لتنفيذ أعمال إرهابية داخل باكستان، وألّا يُراق الدم على أراضيها». وأضاف: «يجب أن يعيش الشعبان كإخوة، وتركيا مصممة على العمل لتحقيق هذا الهدف».
وخلال الأسابيع الستة الماضية، جرت ثلاث جولات تفاوض بين طالبان وإسلام آباد في الدوحة وأنقرة، دون أن تسفر عن نتائج ملموسة.
كما عُقدت جولة أخرى بعيدًا عن الإعلام وبدون تغطية واسعة في السعودية، لكنها كذلك انتهت دون نتيجة، مع التأكيد فقط على استمرار وقف إطلاق النار بين الطرفين.
وفي هذا المسار، بذلت تركيا وقطر أكبر قدر من الجهود لتقريب وجهات النظر بين طالبان وباكستان.

خلال الشهرين الماضيين، بلغت حدّة التوتر بين طالبان وباكستان ذروتها مع الغارات الجوية والاشتباكات الحدودية وإغلاق المعابر التجارية، إلى جانب جولات تفاوضية عدّة في الدوحة وأنقرة والرياض انتهت جميعها دون نتائج.
وبعد الاشتباك الأخير في سبينبولدك، بات واضحاً أن الطريق نحو أيّ اتفاق لا يزال طويلاً.
واندلعت مواجهات بين طالبان والقوات الباكستانية مساء الجمعة، 5 ديسمبر، في مديرية سبينبولدك بولاية قندهار. ويتّهم الطرفان بعضهما بالبدء بإطلاق النار.
وخلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، دخلت العلاقات بين كابل وإسلامآباد مرحلة من أشدّ فتراتها توتراً، حيث تحوّلت الحدود المشتركة إلى ساحة متكرّرة لإطلاق النار والغارات الجوية وإغلاق المعابر التجارية.

من أين بدأت المواجهات؟
تعود جذور التوتر الحالي إلى 9 و10 أكتوبر الماضي، حين شنّت باكستان غارات جوية على كابل وولايات خوست وننغرهار وبكتيكا، وقالت إنها استهدفت قادة «تحریک طالبان پاکستان». أما طالبان فاتهمت إسلامآباد بـ«انتهاك سيادة أفغانستان» وقتل مدنيين.
عقب تلك الغارات، اندلعت اشتباكات عنيفة على امتداد الحدود بین البلدین، خصوصاً في سبينبولدك، خوست، بکتيا، بکتیکا، کنر وهلمند. وأعلنت بعثة الأمم المتحدة (يوناما) أنه خلال الأسبوع الأول وحده من التصعيد، قُتل 37 مدنياً وجُرح 425 آخرون.
وسُجّلت أعلى حصيلة ضحايا في 15 أكتوبر، حين أصيب عدد كبير من المدنيين، بينهم نساء وأطفال، نتيجة القصف المدفعي والغارات قرب سبينبولدك. كما أدى إغلاق المعابر الرئيسية، مثل سبينبولدك–تشمن وتورخم، إلى احتجاز مئات الشاحنات وآلاف المسافرين.
اتفاق هشّ لوقف إطلاق النار… ثم استمرار التوتر
بعد سبعة أيام من القتال، أعلنت قطر، بمشاركة ممثلين من تركيا والسعودية، في 19 أكتوبر، التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار. وتعهّد الطرفان بعدم استهداف قوات أو منشآت بعضهما، كما التزمت طالبان بمنع استخدام الأراضي الأفغانية من قبل «تحریک طالبان پاکستان». لكن رغم الاتفاق، استمرت التوترات لاحقاً، وانتهت جولات المحادثات في الدوحة وأنقرة دون تقدم. كما فشلت جولة التفاوض الأخيرة في الرياض مطلع ديسمبر.
العوامل الداخلية في باكستان تزيد الأزمة تعقيداً
في 27 أكتوبر وحده، رحّلت السلطات الباكستانية أكثر من 7300 مهاجر أفغاني عبر معبري سبينبولدك وبهرامتشه. وفي الوقت نفسه، استمرت الغارات الجوية الباكستانية داخل الأراضي الأفغانية. وقالت طالبان إن قصفاً باكستانياً على مديرية غربز في خوست في 25 نوفمبر تسبب بمقتل 10 مدنيين، بينهم 9 أطفال وامرأة، وهو ما نفته باكستان. كما وردت تقارير عن قصف مناطق أخرى في کنر وپکتیکا.
وكانت وزارة الخارجية الباكستانية قد أعلنت أن وفداً تركياً رفيع المستوى كان مقرراً أن يصل إلى إسلامآباد للوساطة، لكنه لم يأتِ «بسبب عدم تعاون طالبان». وأكدت باكستان أنها مستعدة لاستقبال الوفد وترحّب بجهود تركيا وقطر.
الوضع على الأرض: المعابر مغلقة والتجارة مشلولة
الاشتباك الجديد في سبينبولدك يأتي في وقت لا تزال فيه المعابر التجارية بين البلدين مغلقة، ولا يُسمح بالمرور إلا لشاحنات المساعدات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة. وتقول باكستان إن فتح الحدود بشكل كامل مرتبط بإجراءات طالبان ضد الجماعات التي تنفذ هجمات انطلاقاً من الأراضي الأفغانية.

أفادت مجلة جنوب آسيا بأن منظمتين عقدتا اجتماعًا في بروكسل لبحث التحديات المتزايدة الناجمة عن حكم طالبان والحاجة المُلِحّة لتغيير النظام السياسي في أفغانستان.
وقد شارك في هذا الاجتماع ممثلون عن معارضي طالبان، إضافة إلى مندوبين من دول الاتحاد الأوروبي ومسؤولين من المؤسسات الأوروبية.
وذكرت المجلة في تقريرها أن منظمتَي "الدبلوماسي المستقل" و "المؤسسة الأوروبية للديمقراطية" عقدتا اجتماعًا رفيع المستوى حول مستقبل أفغانستان، بمشاركة "المعارضة الديمقراطية الأفغانية"، وذلك من 3 إلى 5 ديسمبر في بروكسل.
وبحسب التقرير، عُقد الاجتماع بشكل مشترك وبحضور أعضاء من البرلمان الأوروبي، وممثلين عن دول الاتحاد الأوروبي، ومسؤولين بارزين في المؤسسات الأوروبية.
وقال مصادر لـ"أفغانستان إنترناشیونال" إن ممثلين عن جبهة الحرية، وجبهة المقاومة الوطنية، إضافة إلى ممثلين عن النساء والمجتمع المدني، شاركوا في هذا الاجتماع.
ووفق التقرير، تأمل المنظمتان في أن يؤدي إطلاق هذا "الحوار السياسي المهم" إلى إيجاد حلول للأزمة السياسية والأمنية والإنسانية المستمرة في أفغانستان.
وأضافت المجلة أن "نظام طالبان" بات يشكل تهديدًا متصاعدًا ليس فقط للأمن الإقليمي، بل للأمن العالمي والأوروبي أيضًا، مشيرة إلى أن ممارسات طالبان أدت إلى الفوضى وانتهاكات حقوق الإنسان وظهور وتوسع التطرف في المنطقة.
ولم تُقدّم المنظمتان تفاصيل إضافية حول الاجتماع أو المشاركين فيه.
وتُعرَف منظمة "الدبلوماسي المستقل" بأنها مؤسسة غير ربحية تساعد الفئات الأكثر تضررًا من الأزمات والصراعات على الوصول إلى الحوارات السياسية رفيعة المستوى المتعلقة بهذه الأزمات.
وجاء في موقع المنظمة: "نحن نسعى لتحقيق سلام وعدالة مستدامين، ونعمل على ذلك من خلال تعزيز القدرات الدبلوماسية للمجموعات المهمّشة والدول الديمقراطية لبلوغ أهدافها."
أما "المؤسسة الأوروبية للديمقراطية" فتركّز على مكافحة التطرف العنيف، ودعم العدالة الاجتماعية، وحقوق الإنسان، والديمقراطية والتعددية.
ووفق مجلة جنوب آسيا، تسعى المنظمتان إلى توفير أرضية لخطوات مشتركة لمواجهة "التحديات المتصاعدة في أفغانستان" بشكل عاجل.
وقالت المجلة إن الاجتماع شدّد على ضرورة قطع طالبان علاقاتها مع جميع الجماعات الإرهابية وضمان عدم نشاط تلك الجماعات داخل الأراضي الأفغانية. كما ركّز على ضرورة الإفراج غير المشروط عن جميع المواطنين الأجانب المحتجزين في سجون طالبان.
ووصف التقرير هذه الإجراءات بأنها "بالغة الأهمية" لمستقبل أفغانستان، مؤكّدًا أن من شأنها أن تمنح البلاد الاستقرار والشرعية، وتمنع تفاقم الأزمات، وتدفع أفغانستان نحو إقامة دولة شعبية.
وأشار التقرير إلى أن "السياسات القاسية والخاطئة لطالبان" أجبرت ملايين الأفغان على الفرار من وطنهم، وتسببت في عدم الاستقرار خارج البلاد، وفرضت أعباء كبيرة على دول الجوار وأوروبا.
كما أكدت المجلة أن طالبان فشلت في إدارة الجماعات الإرهابية العابرة للحدود، مما زاد عدم الاستقرار في منطقة تعاني أصلًا من الهشاشة، وأدى إلى تصاعد التوترات مع دول الجوار وما بعدها.
ومؤخرًا، قال وزير الخارجية الباكستاني إسحاق دار في مؤتمر صحفي بإسلام آباد إنه قدّم إيضاحات لـ 27 دولة أوروبية بشأن المواجهة بين بلاده وطالبان.
كما سبق لوزارة الخارجية الباكستانية والاتحاد الأوروبي أن أصدرا بيانًا مشتركًا، في الثاني من قوس، دعَوَا فيه إلى بدء عملية سياسية موثوقة ضمن إطار "عملية الدوحة" بقيادة الأمم المتحدة في أفغانستان، وطالبا سلطات طالبان بالاضطلاع بدور بنّاء في القضاء على الإرهاب داخل الأراضي الأفغانية.

قال مكتب المفتش العام الأميركي الخاص بإعادة إعمار أفغانستان (سيغار) في تقرير حديث إن الولايات المتحدة لم تحقق هدفها في بناء دولر في أفغانستان رغم تخصيص 144.7 مليار دولار خلال عقدين.
وقال "سيغار" إنه الولايات المتحدة خصصت بين عامي 2002 ومنتصف 2021، نحو 144.7 مليار دولار لإعادة إعمار أفغانستان، لكن هذه المهمة التي كانت تهدف إلى بناء دولة مستقرة وديمقراطية انتهت دون تحقيق أهدافها.
وذكر المكتب، الذي عمل داخل أفغانستان طوال 17 عاماً، أن الفساد البنيوي، وضياع الموارد على نطاق واسع، وفشل البرامج الأمنية والتنموية، إضافة إلى استفادة حركة طالبان من جزء من المساعدات الدولية، كانت من أبرز أسباب إخفاق المهمة الأميركية التي امتدت لعشرين عاماً.
وقال "سيغار" إن مهمته الأساسية كانت الرقابة والتدقيق ومراجعة كيفية إنفاق المساعدات الأميركية المخصّصة لعملية إعادة الإعمار.
إنفاق غير مسبوق
وأشار التقرير إلى أن الكونغرس الأميركي صادق، بين 2022 و30 يونيو 2025، على حزمة إجمالية بلغت نحو 148.2 مليار دولار لإعادة إعمار أفغانستان، خُصص منها 144.7 مليار دولار قبل سقوط الحكومة السابقة في منتصف 2021. وقال "سيغار" إن هذا الحجم من الإنفاق يفوق ــ عند احتساب التضخم ــ ما أنفقته الولايات المتحدة في "خطة مارشال" لإعادة إعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية.
وأوضح التقرير أن أكثر من 77.9 مليار دولار صُرفت على القطاع الأمني، ونحو 36.3 مليار دولار على الحوكمة والتنمية، و4.7 مليار دولار للمساعدات الإنسانية، و9.4 مليار دولار لبرامج مكافحة المخدرات.
وفي خلاصة 17 عاماً من الرقابة، قال "سيجار" إن ما بين 26 و29.2 مليار دولار من أموال إعادة الإعمار انتهت في خانة الإنفاق "المشبوه"، أو المشاريع الفاشلة، أو الاستثمارات الضائعة، أو الفساد.
وأوضح أن من بين هذه المبالغ نحو 7.3 مليار دولار خُصصت لبرامج مكافحة المخدرات التي لم تحقق أي نتيجة، و4.7 مليار دولار لمشاريع تثبيت الاستقرار التي لم تصل إلى أهدافها، وأكثر من 2.4 مليار دولار ضاعت في مبانٍ ومنشآت وتجهيزات كبيرة لم تُستَخدم كما كان متوقعاً. كما أشار إلى دفع 232 مليون دولار كرواتب وصفها بأنها "غير صحيحة أو غير معروفة".
وفي ما يتعلق بإعادة بناء القطاع الأمني، ذكر التقرير أن الولايات المتحدة خصصت ما يقارب 90 مليار دولار لبناء وتجهيز القوات الأمنية الأفغانية، بينها 77.9 مليار دولار مساعدات أمنية، وأكثر من 31.2 مليار دولار للبنى التحتية والمعدات والتدريب، إلى جانب مليارات أخرى للمركبات والأسلحة والذخائر. لكن هذه القوات انهارت سريعاً بعد خروج القوات الأميركية.
وأوضح التقرير أن الولايات المتحدة تركت وراءها "مليارات الدولارات من المعدات والإنشاءات العسكرية والمدنية"، وأن الكثير منها وقع في يد حركة طالبان، بما في ذلك مركبات وأسلحة ومنشآت كانت معدّة للقوات الأمنية السابقة، وأصبحت اليوم جزءاً من القدرات العسكرية لطالبان.
اقتصاد هش وفقر مستمر
وذكر التقرير أن محاولات الولايات المتحدة لبناء اقتصاد مستقر وتقليل مستويات الفساد لم تُنتِج مؤسسات دائمة، وأن الفقر والبطالة ظلا مرتفعين رغم سنوات من النمو الاقتصادي، وأن أفغانستان حتى لحظة سقوط الحكومة عام 2021 بقيت غارقة في الفقر والفساد وضعف المؤسسات.
وأضاف أن الجهود الأميركية لبناء نظام انتخابي نزيه، وتعزيز سيادة القانون، وإنشاء نظام ديمقراطي، لم تحقق نتائج عملية، مشيراً إلى أن الانتخابات الأفغانية كانت "بشكل منتظم" عرضة لاتهامات التزوير والتهديد والرشوة والتدخل السياسي، وأن النتائج كانت تُعلَن في كثير من الأحيان بعد تدخل أميركي أو تسويات سياسية بين المرشحين.
أسباب انهيار النظام السابق
وأشار "سيغار" إلى تقارير سابقة له حول أسباب سقوط الحكومة والقوات الأمنية. وفي التقييم الأول، حدد ستة عوامل أبرزها: عدم اقتناع الحكومة الأفغانية بأن الولايات المتحدة ستنسحب فعلياً، واستبعاد كابل من مفاوضات واشنطن مع طالبان، ورفض طالبان تقديم أي تنازلات، إضافة إلى فساد إدارة الرئيس أشرف غني وحكمه المركزي وضعف شرعيته.
وفي التقييم الثاني، أكد "سيغار" أن قراري الرئيسين الأميركيين المتعاقبين بالانسحاب أثّرا في كل القرارات اللاحقة للحكومة الأفغانية وطالبان والوكالات الأميركية، وسرّعا انهيار القوات الأمنية في أغسطس 2021، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة لم تُنشئ خلال عشرين عاماً قوة مستقلة وقادرة على الصمود.
أخطاء الولايات المتحدة
وقال "سيجار" إن المهمة الأميركية تحولت من عملية محدودة لمكافحة الإرهاب إلى مشروع واسع لـ"بناء دولة"، بينما كانت أفغانستان تفتقر إلى البنية التحتية والمؤسسات التي بنت عليها الولايات المتحدة أهدافاً "طموحة بشكل غير واقعي". وأضاف أن عدداً من المسؤولين الأميركيين السابقين الذين تحدّث إليهم "سيجار" يرون أن "بذور الفشل" زُرعت قبل سنوات من الانسحاب، وأن النجاح ربما كان مستحيلاً بالنظر إلى حجم الأهداف الموضوعة.
كما نقل التقرير شهادات لمسؤولين ودبلوماسيين قالوا إن استبعاد طالبان من العملية السياسية في السنوات الأولى ساهم لاحقاً في وصول الأمور إلى طريق مسدود.
وذكر التقرير أن اعتماد الولايات المتحدة على زعماء محليين متهمين بانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان أضعف المهمة، وعزّز نفوذ طالبان. واستشهد بحالات استخدم فيها بعض الولاة والقادة المحليين الدعم الأميركي لتصفية خصوم شخصيين عبر وسمهم بأنهم "طالبان"، ما دفع شرائح من المجتمع للانضمام إلى التمرد.
وأشار التقرير إلى أن والي قندهار السابق، غل آغا شيرزي، أقنع قوات بريطانية باستهداف أشخاص أراد التخلص منهم عبر الادعاء بأنهم من طالبان، وهو ما دفع المزيد من السكان للالتحاق بالمتمردين. كما أشار إلى الجنرال عبد الرازق، قائد الشرطة القوي في الجنوب، الذي اتهم بالتعذيب والاختفاء القسري وخلق أجواء من الترهيب، لكنه اعتُبر من جانب القوات الأميركية "شرّاً ضرورياً" بسبب دوره في حفظ الأمن، قبل أن يُقتل عام 2018 على يد عنصر تبيّن لاحقاً أنه مرتبط بطالبان.
فساد مالي وأخلاقي
وأشار التقرير إلى حالات تجاهل فيها الأميركيون انتهاكات مثل الاعتداء الجنسي على الأطفال داخل صفوف القوات الأمنية، بحجة الحفاظ على العلاقة مع القادة المحليين.
كما ذكر قضية محمد ضياء صالحي، أحد المقربين من الرئيس السابق حامد كرزي، الذي قال التقرير إنه هرّب نحو ثلاثة مليارات دولار لمسؤولين حكوميين وتجار مخدرات ومتمردين، من دون أن يصل الملف إلى نتيجة.
وقال "سيغار" إن الأمم المتحدة أدخلت إلى أفغانستان، بين أواخر 2021 ومنتصف 2025، نحو 3.8 مليار دولار نقداً لتمويل مشاريع المانحين ودفع الرواتب وتثبيت النظام المالي، لكن حركة طالبان استفادت مالياً من هذا التدفق عبر التحكم بالنظام المصرفي وفرض الضرائب.
وفي مراجعة منفصلة، قال "سيجار" إن 10.9 ملايين دولار من المساعدات الأميركية التي أُديرت بعد سيطرة طالبان استُخدمت في دفع ضرائب لحكومة طالبان. كما أشار إلى أن 57.6 مليون دولار من المساعدات الأميركية "داخل الموازنة" التي حُولت قبل سقوط الحكومة، بقيت في الحسابات المصرفية بعد أغسطس 2021، وربما أصبحت حركة طالبان قادرة على الوصول إليها.
الجدير بالذكر أن مهمة "سيغار" ستنتهي رسمياً في 31 يناير 2026، وهذا التقرير هو آخر إصداراتها.