وتشير الإحصائيات غير الرسمية إلى أن عدد اللاجئين الأفغان في إيران يصل إلى ٦ مليون شخص، من بينهم مليوني لاجئي يقيمون بشكل غير قانوني، حيث زادت تلك الأعداد بعد سيطرة طالبان على أفغانستان في أغسطس ٢٠٢١، وكان الكثير منهم ممن عملوا مع الحكومة الأفغانية السابقة من جنود ومسؤولين وموظفين حكوميين، إلى جانب صحفيين وناشطين حقوقيين.
وتشير تقارير رسمية إلى أن إيران رحلت أكثر من ٧٠٠ ألف أفغاني خلال الشهر الماضي فقط، بمعدل وصل إلى ٣٠ ألف شخص يومياً في بعض الأحيان.
وزادت عمليات الترحيل بحق اللاجئين الأفغان عقب الحرب بين إسرائيل وإيران، وذلك بعد اتهامات واسعة للأفغان بالتعاون مع الموساد خلال التصعيد العسكري في يونيو الماضي.
ومع ذلك لم تقدّم السلطات الإيرانية أي أدلة تثبت ضلوع الأفغان بالتجسس لصالح إسرائيل، ومع ذلك ألقت وسائل الإعلام الرسمية سيلاً من الاتهامات بحق الأفغان المقيمين في إيران.
التعذيب والعنصرية في إيران
بينما أعربت الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية عن قلقها البالغ بشأن تقارير حول ما يتعرض له اللاجئون الأفغان من تعذيب وسوء المعاملة، وحتى العنصرية في إيران.
حيث أفادت تقارير عن ف احتجاز الآلاف من المهاجرين الأفغان الذين يعيشون في إيران بدون وثائق إقامة بطريقة غير قانونية، وتقارير تشير إلى تعرضهم للتعذيب الجسدي والنفسي في مراكز الاحتجاز الإيرانية.
وشملت تلك الاحتجازات الأفغان حاملة الوثائق القانونية، والكثيرون منهم ولدوا أو عاشوا في إيران لسنوات طويلة، لكن السياسة الإيرانية في ترحيل الأفغان شملتهم بشكل كبير.
وطالبت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) والمنظمات الحقوقية الأخرى إيران بالامتثال لحقوق الإنسان ووقف استخدام التعذيب والعنف الجسدي بحق الأفغان.
وتداولت مواقع التواصل الاجتماعي في أفغانستان فيديوهات تُظهر تعرّض لاجئين أفغان لتعامل مسيء وعنصري على يد مواطنين إيرانيين في الشوارع العامة.
كما أن التوجهات العنصرية وغير الإنسانية ضد الأفغان في إيران، وصلت إلى وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية التي أيّدت عمليات ترحيل اللاجئين الأفغان، والتحريض عليهم، ما فاقم المخاوف تجاه ارتفاع حالات انتهاك حقوق الإنسان في إيران.
الانتقام بعد العودة على يد طالبان
ومع التعامل غير الإنساني الذي يواجهه الأفغان في إيران، تقول الأمم المتحدة إن طالبان اعتقلت وعذّبت عدداً من اللاجئين بعد عودتهم إلى أفغانستان.
حيث تشير التقارير إلى تعرضهم للتعذيب والاحتجاز غير القانوني وانتهاكات واسعة لحقوق الإنسان من قبل طالبان، وأجرت الأمم المتحدة مقابلات مع العشرات من الذين تعرضوا للاعتقال والتعذيب على يد طالبان بعد عودتهم إلى أفغانستان.
واعترفت طالبان بوقوع حالات انتقام من اللاجئين الذين عادوا من إيران، بسبب عملهم مع الحكومة الأفغانية السابقة، إلا أنها قالت بأن تلك الأفعال "محدودة وبسيطة للغاية".
واتهمت حركة طالبان الأمم المتحدة بنشر "الشائعات" والدعايات المغرضة "وإثارة القلق" داخل المجتمع الأفغاني.
وعلى الرغم من أن طالبان كانت في البداية تحاول إدارة وضع المهاجرين، إلا أن الوضع أصبح أكثر سوءاً مع مرور الوقت، حيث لا تلتزم طالبان بتوفير الدعم اللازم للمهاجرين العائدين.
ويواجه المهاجرون الذين عادوا إلى أفغانستان بعد طردهم من إيران صعوبات بسبب الظروف غير المستقرة في البلاد وندرة الموارد والخدمات الصحية، في الوقت الذي تعيش فيه أفغانستان أحد أخطر الأزمات الإنسانية في العالم.
إضافة إلى ذلك، يتعرض العديد من اللاجئين المرحلين من إيران للتحقيق من قبل طالبان بسبب نقص الوثائق القانونية أو الهويات الأفغانية، خاصة من الذين ولدوا وعاشوا في إيران، وليست لديهم معرفة واسعة بأفغانستان.
تجاهل طالبان لوضع اللاجئين
ومع أن الوضع الإنساني الصعب الذي يعيشه الأفغان العائدون من إيران، وحتى تعرضهم لانتهاكات وتعذيب وترحيل قسري واعتقال تعسفي، إلا أن مسؤولين من طالبان يشيدون بالتعامل الإيراني مع الأفغان.
أثارت إشادة مسؤولي طالبان بتعامل إيران مع الأفغان، موجة من الانتقادات اللاذعة ضد طالبان، بسبب تجاهلها للتعامل غير الإنساني الذي يعيشه الأفغان، وتقديمهم ما وصفوه بـ"مصالحهم الشخصية" على حقوق الشعب الأفغاني.
ففي زيارة لحاكم طالبان في ولاية هرات، نور أحمد إسلام جار إلى إيران، ولقائه بالمسؤولين الإيرانيين، أعرب عن "تقديره للمعاملة التي يحظى بها الأفغان في إيران"، وذلك بحسب ما نقلته عنه وسائل إعلام إيرانية رسمية.
وقال حاكم طالبان في ولاية هرات خلال سفره إلى إيران، إن الحكومة الإيرانية لديها نهج "دافئ وإيجابي" تجاه اللاجئين الأفغان منذ أربعة عقود.
وبعد الضغوط الشعبية على طالبان بسبب صمتها عما يتعرّض له الأفغان في إيران، أجرى وزير الخارجية في الحركة أمير خان متقي اتصالاً هاتفياً بنظيره الإيراني عباس عراقجي، أعرب خلاله عن "قلقه من عملية ترحيل اللاجئين الأفغان من إيران، مشدداً على ضرورة مراعاة المبادئ التدريجية والمحترمة خلال عمليات الترحيل".
وجاء في بيان لوزارة خارجية طالبان بأن وزير الخارجية الإيراني تعهد بأنه "سيحاول" ضمان أن تكون "عملية ترحيل اللاجئين الأفغان من إيران تدريجية ومحترمة ولا تُنتهك فيها حقوقهم".
غضب شعبي لقلق دولي
وفي هذا السياق، أبدت المنظمات الدولية مثل وكالة الأمم المتحدة للاجئين قلقها البالغ إزاء وضع المهاجرين الأفغان.
وأشارت المفوضية الأممية لشؤون اللاجئين إلى أن عمليات الترحيل واسعة النطاق من إيران قد تركت العديد من الأفغان في ظروف إنسانية صعبة في أفغانستان.
بينما أدانت منظمات عدم التزام إيران بحقوق اللاجئين، وطالبت بأن تتم عملية العودة بطريقة تراعى فيها حقوق الإنسان.
ومع ذلك تواصل إيران مساعيها لفتح فصل جديد في علاقتها مع طالبان، حيث أعلنت السفارة الإيرانية في كابل يوم أمس، بأن الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، أبدى استعداده لزيارة أفغانستان "لفتح صفحة جديدة في تاريخ العلاقات معها".
وهو ما قد يكون أول زيارة لرئيس دولة إلى أفغانستان منذ أن سيطرة طالبان على البلاد في 2021، وتأتي في وقت تُشدد فيه إيران عملية طرد اللاجئين الأفغان وتتعرض لانتقادات من المنظمات الإنسانية.
وعلى الرغم من الوضع الإنساني الصعب الذي يعيشه الأفغان، إلا أن عمليات الترحيل القسرية من إيران والتي يتعرض لها الأفغان، وعودتهم إلى أفغانستان تحت حكم طالبان، تمثّل أزمة إنسانية أخرى تتطلب اهتماماً من المجتمع الدولي، وتفاقم من المخاطر التي يواجهونها مند أربعة أعوام.
وبينما تدعي طالبان أنها تحترم حقوق العائدين ولا تنتقم من بعضهم، فإن التقارير الأممية تُظهر بأنهم في كثير من الأحيان معرّضون للتعذيب والعنف والانتهاكات لحقوقهم الأساسية.