هل تفكر باكستان في تغيير النظام في أفغانستان؟

تبدو حركة طالبان اليوم في وضع هشٍ غير مسبوق بعدما أحرقت جسورها مع باكستان ومالت أكثر نحو الهند، ما جعلها تواجه عزلة إقليمية حادة.

تبدو حركة طالبان اليوم في وضع هشٍ غير مسبوق بعدما أحرقت جسورها مع باكستان ومالت أكثر نحو الهند، ما جعلها تواجه عزلة إقليمية حادة.
وتكشف الاشتباكات الأخيرة بين الجانبين عن تحولات خطيرة في المنطقة قد تُهدد مستقبل الحركة وتفتح الباب أمام مرحلة جديدة من الصراع الباكستاني - الأفغاني.
وشهدت الحدود المشتركة الأحد الماضي واحدة من أعنف المواجهات في تاريخ البلدين منذ أكثر من ثمانية عقود، إذ شنّت طالبان هجوماً مسلحاً واسعاً على مواقع باكستانية على امتداد خط ديورند، أسفر عن خسائر فادحة.
الحركة أعلنت مقتل 58 جندياً باكستانياً وإصابة عشرات آخرين، فيما أكد الجيش الباكستاني مقتل 23 من جنوده فقط، قائلاً إنه "قضى على أكثر من 200 من مقاتلي طالبان ودمّر عدداً من مواقعهم العسكرية وآلياتهم".
وقالت وزارة الخارجية الباكستانية في بيان رسمي إن الهجمات نُفّذت من قبل "مثلث طالبان والانفصاليين البلوش وحركة طالبان باكستان"، متهمةً الهند بدعم طالبان الأفغانية في التخطيط لهذه العمليات، في إشارة إلى زيارة وزير خارجية طالبان أمير خان متقي إلى نيودلهي.
وتأتي هذه التطورات بعد القصف الجوي الذي نفذته باكستان على كابل وولاية بكتيكا شرق أفغانستان.
وردّ المتحدث باسم طالبان، ذبيح الله مجاهد، باتهام إسلام آباد بـ"إشعال الأزمة" ودعم تنظيم داعش، مؤكداً أن "جميع قادة التنظيم، بمن فيهم الموجودون في باكستان، يخططون للهجمات من أراضي باكستان"، مضيفاً أن "الحركة منعت الوفد الباكستاني من زيارة كابل".
وفي موقف غير مسبوق، تحدثت باكستان علناً عن "الحاجة إلى تغيير النظام في أفغانستان"، داعيةً إلى تشكيل "حكومة ديمقراطية تمثل جميع مكونات الشعب الأفغاني".
وجاء ذلك في ظل تصاعد الغضب الشعبي والسياسي داخل باكستان ضد طالبان، حيث شبّه قادة سياسيون وعسكريون هجوم الحركة الأخير باعتداءات الهند، مهددين بـ"رد قاسٍ مماثل"، وحتى أن مجلس علماء باكستان تخلّى عن لهجة التعاطف مع طالبان، وانتقد بشدة "النظام الحاكم في كابل".
في المقابل، دفع اللاجئون الأفغان في باكستان مجدداً ثمن الأزمة، إذ شددت السلطات الباكستانية خلال اليومين الماضيين على ضرورة "الترحيل الكامل" للمهاجرين، في خطوة يُنظر إليها كجزء من سياسة الضغط على طالبان.
ورغم أن العلاقة بين طالبان وباكستان اتسمت بالتوتر خلال السنوات الأربع الماضية، فإنها لم تبلغ من قبل هذا المستوى من العداء العلني، فهذه هي المرة الأولى منذ عقود تشهد فيها الحدود هجوماً منظماً بهذا الحجم، على الرغم من التاريخ الطويل من الدعم الباكستاني لطالبان.
ومنذ عهد الرئيس الأسبق محمد داود خان مروراً بحكومات الشيوعيين والمجاهدين، لم تشهد أفغانستان هجوماً دموياً بهذا الشكل على الأراضي الباكستانية.
في المقابل، حاولت طالبان عبر التقارب مع الهند فتح صفحة جديدة في علاقاتها الخارجية، لكن هذا التحول الاستراتيجي يبدو مكلفاً للغاية، إذ ربطت باكستان التصعيد الأخير مباشرة بزيارة وزير خارجية الحركة إلى نيودلهي، معتبرة أن نفوذ الهند في أفغانستان يشكل تهديداً وجودياً لها.
ويرى مراقبون أن إسلام آباد، بعد استقبالها وفداً من معارضي طالبان، قد تتجه إلى التفكير جدياً في "تغيير النظام" داخل أفغانستان، خاصة في ظل تفاقم التوترات الأمنية في بلوشستان وخيبر بختونخوا، وقد عزز بيان الخارجية الباكستانية الأخير هذه الفرضية.
فعلى مدى العقود الخمسة الماضية، لعبت باكستان دوراً محورياً في التحولات السياسية بأفغانستان، وكانت لاعباً أساسياً في إسقاط أنظمة متعاقبة، من حكومة نجيب الله إلى حكومة المجاهدين ثم حكومة أشرف غني، وتبقى طالبان أكثر ضعفاً من سابقيها في مواجهة الضغط الباكستاني.
وفي تطور لافت، استخدمت الخارجية الباكستانية في بيانها الأخير مصطلح "نظام طالبان" بدلاً من "الحكومة المؤقتة" أو "حكومة أفغانستان"، في إشارة واضحة إلى نيتها نزع الشرعية السياسية عن الحركة.
وفي خضم هذه التوترات، لجأت طالبان إلى وساطة قطرية - سعودية لاحتواء الأزمة، وأعلنت الحركة أنها قبلت بوساطة السعودية وقطر لإنهاء الاشتباكات، لكن القصف الباكستاني استمر على مواقع حدودية خصوصاً في ولاية قندهار.
وتدرك طالبان أن الهند لا يمكن أن تكون بديلاً عن باكستان في توفير الدعم الاقتصادي والسياسي، لكن حجم العداء الحالي يجعل عودة العلاقات بين الجانبين إلى طبيعتها أمراً مستبعداً.
بينما تدل المؤشرات على أن إسلام أباد خرجت عملياً من مسار "التفاهم" مع طالبان، وربما تتجه إلى مرحلة أكثر صدامية، قد تشمل دعم معارضي الحركة ميدانياً، والأسابيع المقبلة ستكشف ما إذا كانت باكستان ماضية في مشروع "تغيير النظام" في كابل، أم أن حلمها بتشكيل "حكومة ديمقراطية" سيظل مؤجلاً.