نقف اليوم عند مفترق طرق حاسم. بعد عقود من التدخل الخارجي والصراعات الداخلية، باتت الفرصة لبناء مستقبل جديد قائم على إرادتنا وطاقاتنا متاحة. ولكن الأمر مرهون بنا – نحن القادة والمفكرون وشعوب الشرق الأوسط الكبير – لاغتنام هذه اللحظة قبل أن تفوت.
تتوجه حركة فجرستان للتكامل الإقليمي (FRIM) إليكم في هذا المنعطف التاريخي، لتؤكد أن الانقسامات الداخلية والهيمنة الخارجية على مدى قرون أضعفت منطقتنا وجعلتها مجزأة وعديمة الصوت في النظام العالمي. ومع ذلك، فقد بدأت أسس نظام إقليمي جديد تتشكل، وفرصة التحول باتت في متناول اليد.
تم تقديم رؤية المنطقة الحضارية الفجرستانية لأول مرة في كتابي عام 2007، وتوسعت لاحقًا في كتاب فجرستان: حركة إقليمية لتعايش الأمم (2011). تمثل هذه الرؤية نقدًا شاملًا وبديلاً متكاملًا للإيديولوجيات الداخلية الضيقة مثل التطرف الديني والقومية العرقية، وللنماذج الإقليمية المفروضة خارجيًا. فهي ترتكز على التراث الثقافي المشترك والروابط الحضارية كقوة أساسية للتكامل الإقليمي، وتدعو إلى بناء إقليمية حضارية ديمقراطية، تركز على الشعب والهوية المشتركة بدل الانغلاق الإيديولوجي أو التبعية للأطر الخارجية.
ترمز كلمة "فجر" إلى بداية جديدة، بينما تشير كلمة "ستان" إلى الأرض، وتشكل جزءًا من أسماء دول المنطقة مثل أفغانستان، باكستان، قرغيزستان، طاجيكستان، كازاخستان، تركمانستان، وأوزبكستان. وقد بدأت فكرة "فجرستان" كمشروع اتحاد بين هذه الدول، لكنها تطورت اليوم إلى رؤية شاملة لاتحاد حضاري ديمقراطي وتعددي، يعزز تقرير المصير الحضاري، ويدعو إلى تكامل أعمق، وحدود مفتوحة، وحركة حرة للأفراد والبضائع والخدمات.
استندت هذه الرؤية إلى دراسات وتحليلات للتجارب الإقليمية، مثل تفكك الاتحاد السوفييتي الذي مهد لتأسيس منظمة التعاون الاقتصادي (ECO)، وفشل تركيا في الانضمام للاتحاد الأوروبي، مما دفعها إلى إنشاء منظمة الدول التركية (OTS)، وكذلك انسحاب حلف الناتو من أفغانستان الذي خلق فراغًا وفرصًا جديدة للتعاون الإقليمي، بما في ذلك القمم المشتركة بين مجلس التعاون الخليجي وآسيا الوسطى.
تمتلك مؤسساتنا الإقليمية اليوم القدرة على دعم هذا الاتحاد الحضاري. فكل من ECO وGCC وOTS يمثل مجتمعًا يضم نحو 700 مليون نسمة، وإجمالي ناتج محلي يفوق 5 تريليونات دولار، مع احتياطيات هائلة من الطاقة ومشروعات استراتيجية مثل TAPI وCASA-1000 والممر الأوسط. ومن خلال توحيد القوانين، وفتح الحدود، ودمج الاقتصادات، يمكن لهذه المؤسسات أن تتحول من تكتلات مجزأة إلى قاعدة صلبة لنظام حضاري جديد.
كما تظهر فرص جديدة للمصالحة في المنطقة. فعملية السلام بين تركيا وحزب العمال الكردستاني أثبتت أن حتى أعمق الجروح القومية يمكن تجاوزها عبر الشمول السياسي. ويمكن أن يُلهم هذا النموذج المجتمعات المقسمة تاريخيًا مثل الأكراد، البلوش، والبشتون للسعي نحو التمثيل ضمن إطار إقليمي مشترك بدل الانفصال. وفي المقابل، يجب أن تفسح الإيديولوجيات الإقصائية مثل القومية العربية أو التركية أو الإيرانية المجال للشمول والتعددية.
لقد غذّت الصراعات الطائفية لعقود والأحلام الإمبراطورية حروبًا مدمرة، لكن اتفاق التطبيع بين إيران والسعودية عام 2023، والتحولات البراغماتية لدى طالبان في أفغانستان وهيئة تحرير الشام في سوريا، أثبتت أن الطائفية يمكن احتواؤها عبر الحوار، وأن التطرف يمكن ضبطه بالواقعية السياسية. هذه الأمثلة تثبت أن الشمول والتعددية ممكنان عندما يختار القادة التعاون بدل المواجهة.
على الصعيد الخارجي، يشهد العالم تحولات تصب في صالحنا، حيث يتجه الغرب نحو منافسة استراتيجية مع الصين، مبتعدًا عن عقود من الحروب والتدخل العسكري في الشرق الأوسط، ومركزًا على الدبلوماسية الاقتصادية والتطبيع والسلام. وقد ساهمت هذه التحولات في خلق فرص نادرة للمنطقة، من بينها الاعتراف بفلسطين ومبادرات السلام الإقليمية، واستثمارات الغرب في ممرات الطاقة والتكنولوجيا في الخليج وآسيا الوسطى.
إن الشرق الأوسط الكبير هو المنطقة الوحيدة في آسيا التي لا تمتلك تكتلًا إقليميًا متماسكًا. ومن خلال تأسيس تكتلنا الخاص، يمكننا تحقيق التكافؤ مع بقية المناطق الآسيوية، وموازنة النفوذ، وبناء علاقات متوازنة مع القوى العالمية، على أساس الكرامة والسيادة والتعاون، لا الهيمنة.
إن الاتحاد الحضاري الفجرستاني الذي نقترحه ليس استعادة لإمبراطورية، ولا وحدة قسرية، بل إطار شامل يكرم تراثنا المشترك ويصون كرامة الجميع — العرب والفرس والترك والأكراد والبشتون والبلوش، وسنة وشيعة على السواء. إنه يضمن حدودًا مفتوحة، وحركة حرة للأفراد ورؤوس الأموال، وهوية إقليمية قائمة على التعايش لا الإقصاء.
ويهدف هذا النظام الإقليمي الجديد إلى ضمان السلام والازدهار للمنطقة، داخليًا عبر الشمولية، وخارجيًا عبر التوازن وبناء علاقات سلمية مع القوى العالمية مع الحفاظ على حق تقرير المصير الإقليمي.