وتأتي هذه الاجتماعات بعد أيام من الغارات الجوية الباكستانية على مناطق في كابل وعدة ولايات شرقية، وهجمات طالبان التي وصفتها بـ"الانتقامية" للرد على "انتهاك باكستان لسيادة الأراضي الأفغانية".
ويشارك في الاجتماعات وزير الدفاع في طالبان، ملا يعقوب مجاهد، ورئيس جهاز الاستخبارات، عبد الحق وثيق، إلى جانب وزير الدفاع الباكستاني خواجه آصف، ورئيس الاستخبارات الباكستانية عاصم ملك، لبحث سبل خفض التصعيد والحد من المواجهات المسلحة بين الطرفين.
تأتي هذه المباحثات بعد مواجهات غير مسبوقة خلّفت عشرات القتلى من الجانبين، وأدخلت العلاقات بين طالبان وباكستان في أزمة عميقة، وأسفرت الغارات الجوية الباكستانية على كابل وعدد من الولايات الأخرى عن مقتل مدنيين، ما زاد من خطر اندلاع حرب استنزاف طويلة على الحدود، ويتبادل الطرفان الاتهامات بتصعيد التوتر.
ويُرجّح أن تتركّز محادثات الدوحة على ملفات دعم طالبان لـ"حركة طالبان باكستان"، ونشاط الانفصاليين البلوش، وتأثير النفوذ الهندي داخل أفغانستان، واستخدام الجماعات المسلحة الأراضي الأفغانية لشنّ هجمات عبر الحدود.
وتُعقد هذه الاجتماعات وسط أجواء من انعدام الثقة بين الجانبين، إذ أعلنت باكستان قبل انطلاق المحادثات أن "العلاقات مع طالبان لن تعود إلى طبيعتها أبداً"، وهذه ليست المرة الأولى التي يتحاور فيها الطرفان حول ملف "حركة طالبان باكستان".
وقال وزير الدفاع الباكستاني خواجه آصف إن بلاده وجّهت خلال السنوات الأربع الماضية 836 مذكرة احتجاج إلى طالبان بشأن "التهديدات الآتية من الأراضي الأفغانية"، مضيفاً أن "إسلام آباد لن ترسل بعد الآن أي وفد رسمي إلى كابل".
وخلال السنوات الأربع الأخيرة، زار كابل كلّ من وزير الخارجية الباكستاني أربع مرات، ووزير الدفاع ورئيس الاستخبارات مرتين، ومستشار الأمن القومي مرة واحدة، والمبعوث الخاص خمس مرات، كما عُقدت ثماني جلسات للجنة التنسيق المشتركة و225 اجتماعاً حدودياً، من دون التوصل إلى أي نتائج ملموسة.
خفض التوتر أم هدنة مؤقتة؟
في ظل هذا التوتر، يجتمع القادة العسكريون للبلدين في الدوحة، حيث ترتبط قطر بعلاقات وثيقة مع كلٍّ من طالبان وباكستان، ما يجعلها في موقع مؤهل للعب دور الوسيط النشط. كما أن الضغوط الإقليمية من إيران والسعودية والإمارات وروسيا والصين قد تدفع في المدى القصير نحو تهدئة مؤقتة أو اتفاق لوقف إطلاق النار على الحدود.
لكن بالنظر إلى توتر العلاقات خلال الأعوام الماضية، والمواقف الحادة للمسؤولين الباكستانيين، وتنامي الدور الهندي في أفغانستان، يبدو التوصل إلى حلّ جذري للأزمة أمراً مستبعداً.
ما الذي تريده باكستان؟
تقول إسلام آباد إن الهجمات المسلحة داخل أراضيها بلغت أعلى مستوياتها منذ سنوات، مشيرة إلى وقوع أكثر من 10 آلاف "هجوم إرهابي" خلال الأعوام الأربعة الماضية أودت بحياة أكثر من ثلاثة آلاف شخص.
وتتهم الحكومة الباكستانية طالبان بدعم "حركة طالبان باكستان"، ما أعاد إلى الأخيرة نشاطها، لتصبح اليوم في أقوى موقع عسكري وسياسي منذ تأسيسها عام 2007، وتؤكد إسلام آباد أن الأراضي الأفغانية تحولت إلى "ملاذ آمن" لخصومها، وأن أكثر من ستة آلاف مقاتل من الحركة يقيمون في أفغانستان، إلى جانب نحو 60 مركزاً تدريبياً.
كما تزعم باكستان أن طالبان تتلقى تمويلاً من الهند وتنقله إلى "حركة طالبان باكستان" لإثارة الاضطرابات في أراضيها، وتطالب كابل باعتقال وتسليم قادة الحركة، بمن فيهم نور ولي محسود وحافظ غل بهادر.
في المقابل، ترى إسلام آباد أن توثيق العلاقات بين طالبان والهند يشكّل تهديداً مباشراً، إذ وقّع الجانبان مؤخراً اتفاقاً لرفع مستوى العلاقات الدبلوماسية إلى درجة سفير، وهو ما تعتبره باكستان "غير مقبول"، خاصة أن أحد أهداف دعمها لطالبان على مدى عقدين كان منع نفوذ الهند في أفغانستان.
كلما ازدادت علاقات طالبان مع نيودلهي عمقاً، ارتفعت مخاوف باكستان وعداؤها، فيما تطلب من طالبان مراجعة علاقاتها مع الهند، لكن الأخيرة تسير في الاتجاه المعاكس، خصوصاً بعدما دعمتها الهند خلال المواجهات الأخيرة مع باكستان.
هل تتراجع طالبان؟
يبدو احتمال أن تعتقل طالبان أعضاء "حركة طالبان باكستان" أو تسلّمهم إلى إسلام آباد ضعيفاً. فلا تملك الحركة القدرة العملية ولا الإرادة السياسية لذلك، كما أن الروابط القبلية والدينية والتاريخية بين طالبان الأفغانية و"طالبان باكستان" تحول دون أي مواجهة بينهما.
ولم يسبق أن تخلّت طالبان عن أي من حلفائها الإقليميين، مثل "الحركة الإسلامية الأوزبكية" أو المقاتلين الأويغور أو الشيشان. كما ضحّى الملا عمر بإمارته من أجل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، لذلك فإن طالبان لا تبدو مستعدة للتخلي عن حلفائها.
وفي ظل تصاعد التطرف في المناطق القبلية واستياء "البشتون" العميق من باكستان وقضية "خط ديورند"، تبدو تسوية الأزمة أمراً شبه مستحيل. كما تُظهر طالبان عملياً أنها لم تعد تتلقى الأوامر من إسلام آباد كما في السابق.
مأزق باكستان وضعف طالبان
تواجه باكستان وضعاً داخلياً معقداً، إذ تتعامل مع تحديات سياسية داخلية من "حركة الإنصاف" و"الجماعة الإسلامية" والقوميين البشتون، إلى جانب حرب استنزاف ضد الانفصاليين البلوش و"حركة طالبان باكستان"، واستمرار العداء التاريخي مع الهند، وفتح جبهة جديدة مع أفغانستان.
في هذه الظروف، يصعب على باكستان إدارة كل هذه الأزمات في آن واحد، وقد تتجنب الدخول في حرب مباشرة مع طالبان، لكنها قد تلجأ إلى دعم القوى السياسية والعسكرية المعارضة لها داخل أفغانستان. وهذه المرة الأولى منذ عقود التي لا تمتلك فيها باكستان وكيلاً قوياً داخل أفغانستان يمكنه تهديد الحكومة في كابل.
أما طالبان، فهي الأخرى في موقف ضعيف. سياسات الحركة عمّقت الانقسامات الوطنية في أفغانستان، وتزايدت نقمة الشعب إلى درجة أن كثيرين لا يرون أنفسهم جزءاً من حرب طالبان مع باكستان، بل يرحّب بعضهم بضربات الجيش الباكستاني ضد طالبان.
ويُعزى هذا الوضع إلى سياسات قادة طالبان الذين همّشوا المكوّنات العرقية والدينية والسياسية الأخرى واحتكروا السلطة. وتدرك قيادة طالبان أن استمرار الصدام مع باكستان يهدد بقاءها، خصوصاً مع تصاعد الخلافات الداخلية، إذ لم يُبدِ وزير الداخلية سراج الدين حقاني أي ردّ على الاشتباكات، بل وجّه انتقادات لبعض مسؤولي الحركة.
ورغم جهود الوساطة القطرية والضغوط الإقليمية، فإن التوتر بين طالبان وباكستان قد يهدأ مؤقتاً، لكن ترميم العلاقة بين الحليفين السابقين يبدو مهمة شديدة الصعوبة.