في مايو الماضي، عقد وزراء خارجية الصين وباكستان وطالبان اجتماعاً ثلاثياً في بكين ركّز على التعاون الاقتصادي والأمني الإقليمي، وأسفر عن اتفاق مبدئي لانضمام أفغانستان إلى مشروع (CPEC).
غير أن هذا التوسع قوبل برفض حاد من الهند، التي وصفته بأنه "غير مقبول".
خلال اجتماع ثلاثي عُقد بين وزراء خارجية الصين وباكستان وطالبان في مايو الماضي في بكين، وركّز الاجتماع بشكل أساسي على التعاون الاقتصادي والأمني الإقليمي، ليصل الأطراف الثلاثة إلى اتفاق مبدئي لانضمام أفغانستان إلى الممر الاقتصادي الصيني–الباكستاني (CPEC).
مع ذلك، قوبل توسيعالممر الاقتصاديإلى الأراضي الأفغانية بمعارضة واضحة من الهند. حيث أعلنت وزارة الخارجية الهندية، في بيان لها، أن توسيع هذا المشروع ليشمل أفغانستان "غير مقبول". وأوضحت نيودلهي أن السبب الرئيسي لمعارضتها هو مرور جزء من الممر عبر المناطق المتنازع عليها في جامو وكشمير، والتي تعتبرها الهند تحت "الاحتلال غير القانوني" من قبل باكستان.
ومن وجهة نظر الهند، فإن مشاركة أي دولة ثالثة في هذا المشروع تُعد بمثابة إقرار ضمني بسيادة باكستان على كشمير، وهو ما يُعد خطاً أحمر بالنسبة للدبلوماسية الهندية.
سوبرامنيام جايشانكار، وزير الخارجية الهندي
ويمتد الممر الاقتصادي الصيني–الباكستاني إلى داخل أفغانستان عبر عدة مسارات، تشمل الطريق الرابط بين بيشاور وكابل، والمسار الممتد من كويته إلى قندهار، بالإضافة إلى الممر الاستراتيجي عبر منطقة واخان.
الأهمية الاستراتيجية لممر واخان
يشكّل ممر واخان، الشريط الضيق الواقع في شمال شرق أفغانستان، نقطة ذات أهمية استراتيجية بالغة، يمكن فهمها من خلال تاريخه الطويل والمضطرب. ففي العصور القديمة، كانت هذه المنطقة جزءاً من طريق الحرير التاريخي، وهو الطريق الذي ربط القوافل التجارية بين الصين وآسيا الوسطى وإيران والهند.
غير أن الموقع الحالي لممر واخان، اكتسب أهميته الجيوسياسية بشكل خاص في سياق التنافس الاستعماري خلال القرن التاسع عشر، وتحديداً أثناء ما يُعرف بـ"اللعبة الكبرى" بين الإمبراطورية البريطانية والإمبراطورية الروسية القيصرية. ففي تلك المرحلة، جرى تصميم هذا الممر كحاجز جيوسياسي يمنع حدوث تماس مباشر بين القوتين الاستعماريتين المتنافستين.
وقد أسفر ذلك عن إنشاء شريط حدودي يبلغ طوله حوالي 350 كيلومتراً، ويتراوح عرضه بين 13 و 65 كيلومتراً، يربط أفغانستان بالصين، ويحول دون الالتقاء الجغرافي المباشر بين روسيا والهند البريطانية آنذاك.
ومنذ ذلك الحين، ظل ممر واخان رسمياً جزءاً من الأراضي الأفغانية، إلا أن موقعه الجغرافي الفريد جعله دوماً محل اهتمام القوى الإقليمية والدولية على حد سواء.
أهمية ممر واخان بالنسبة إلى الصين وباكستان
مع طرح مبادرة "الحزام والطريق" الصينية، ولا سيما مشروع الممر الاقتصادي الصيني–الباكستاني (CPEC)، عاد ممر واخان إلى صدارة الاهتمام الاستراتيجي في المنطقة. وقد استثمرت الصين، في إطار المشروع، أكثر من 60 مليار دولار في باكستان حتى الآن، وهو رقم يعكس الأهمية الكبيرة التي توليها بكين لهذا المسار من حيث الوصول إلى المياه المفتوحة، وأسواق الشرق الأوسط وأوروبا، إلى جانب تعزيز نفوذها الاقتصادي في آسيا الوسطى.
من وجهة نظر صينية، يتمتع ممر واخان بدور متعدد الأبعاد؛ إذ يمكنه ربط منطقة شينجيانغ بأفغانستان والدول الواقعة في آسيا الوسطى مباشرة، مما يوفر لبكين طريقاً أقل تكلفة لتعزيز نفوذها الاقتصادي والجيوسياسي. كما يُعدّ واخان أحد المحاور الرئيسة في مشروع "طريق الحرير الرقمي" الصيني، ويُنتظر أن يلعب دوراً محورياً في نقل الألياف البصرية وتعزيز الاتصال الرقمي الإقليمي.
غير أن ارتباط واخان بالممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني لا يقتصر على الجانب الاقتصادي فحسب؛ فبكين تضع في الحسبان اعتبارات أمنية واضحة. ومن أبرز المخاوف الصينية وجود مقاتلين من الإيغور التابعين لـ"حركة تركستان الشرقية الإسلامية" في أفغانستان، وهي جماعة تطالب بانفصال إقليم شينجيانغ ذي الأغلبية المسلمة عن الصين. ويُعدّ وجود هذه الجماعة في الحدود الغربية تهديداً مباشراً لأمنها القومي. وفي هذا السياق، فإن الصين لا تتابع تطوير البنية التحتية في ممر واخان إلا في ظل توفر ترتيبات أمنية صارمة تكفل احتواء التهديدات المتطرفة. وقد حذّر بعض المحللين الصينيين من أن واخان قد يتحوّل إلى ممر لتهريب المسلحين الإيغور إلى الداخل الصيني.
إضافةً إلى الاعتبارات الأمنية، يتمتع ممر واخان بأهمية استراتيجية بالنسبة إلى الصين من حيث الوصول إلى الموارد الطبيعية في أفغانستان. وبما أن بكين تسعى لتأمين المواد الخام الضرورية لصناعاتها المتقدمة، لا سيما في مجالات التكنولوجيا الخضراء، فهي تنظر باهتمام بالغ إلى الثروات النادرة في أفغانستان، ومن أبرزها النحاس والليثيوم. وقد وعدت الصين بضخ استثمارات تبلغ 10 مليارات دولار في مناجم الليثيوم، في حين تنشط شركات صينية بالفعل في منجم النحاس "مس عينك"، في مؤشر على الأهمية الاستراتيجية لهذه الموارد في المنافسة العالمية على التكنولوجيا، خاصة في صناعة السيارات الكهربائية.
على المستوى الإقليمي، تنظر باكستان إلى ممر واخان كفرصة لتعزيز ارتباطها المباشر بآسيا الوسطى. إذ يمكن لهذا الممر أن يربط مناطق باكستانية مهمّشة مثل شترال بشبكات التجارة الإقليمية، كما يسهم في تقليص اعتماد إسلام آباد على الممرات التقليدية غير المستقرة. وفي هذا الإطار، يجري العمل على مشروع إنشاء طريق سريع يربط بين تشترال وواخان، وإقامة المنطقة الاقتصادية في شترال (CEZ)، ما يعكس توجهاً باكستانياً واضحاً للاستفادة من البنية التحتية الجديدة.
وفي السياق نفسه، أبدت طاجيكستان، بوصفها حلقة أساسية في هذا الممر العابر، دعمها لتوسيع الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني نحو آسيا الوسطى. وقد أكد الطرفان، خلال زيارة رئيس وزراء باكستان إلى دوشنبه في أواخر مايو 2025، على تعزيز التعاون الاقتصادي من خلال هذا الممر. وترى طاجيكستان في المشروع فرصة مزدوجة: لجذب الاستثمارات الصينية من جهة، وللاتصال بأسواق جنوب آسيا والمياه الدافئة من جهة أخرى.
موقف طالبان: الدخول في لعبة الصين وباكستان
منذ عودتها إلى السلطة، تسعى حركة طالبان إلى إعادة تعريف موقع أفغانستان ضمن النظام الإقليمي الناشئ. وقد عُقدت اجتماعات إقليمية مهمة لتنفيذ مشاريع استراتيجية كبرى في المنطقة. ويُعدّ ممر واخان، بوصفه النقطة الوحيدة التي تربط أفغانستان مباشرة بالصين، ذا أهمية خاصة في الاستراتيجية الإقليمية لطالبان، إذ لا تعتبره مجرد ممر جغرافي، بل أداة لتعزيز مشاركتها في التفاعلات الجيوسياسية الإقليمية.
في الثاني من سبتمبر العام الماضي، قام السفير الصيني في كابل، برفقة وزير إعادة الإعمار والتنمية الريفية في حكومة طالبان، بزيارة إلى نقطة "الصفر" الحدودية لمتابعة سير العمل في ممر واخان، الذي يتم تمويله بدعم مالي صيني. وخلال الزيارة، صرّح السفير بأن واخان يمكن أن يتحول إلى أحد أهم الممرات التجارية في المنطقة، شريطة معالجة الهواجس الأمنية القائمة.
زيارة السفير الصيني لمناجم النحاس بولاية لوغر
وفي ظل ما تعانيه أفغانستان تحت حكم طالبان من عقوبات مالية ومصرفية دولية قاسية، إلى جانب انتشار الفقر وضعف البنى التحتية، تسعى الحركة إلى فتح المجال أمام الاستثمارات الإقليمية، مستفيدة من انفتاحها المتزايد على دول كبرى مثل الصين وروسيا، بهدف جذب رؤوس الأموال إلى مشاريع البنية التحتية وقطاع استخراج الثروات الطبيعية.
الهند: على هامش الاتصال... في صلب القلق
لا تقتصر معارضة الهند الصريحة لانضمام أفغانستان إلى الممر الاقتصادي الصيني–الباكستاني (CPEC) على المسألة القانونية المتعلقة بكشمير فحسب. فمن منظور جيوسياسي، تخشى نيودلهي أن يُفضي انضمام أفغانستان إلى هذا المشروع إلى تعديل ميزان القوى الإقليمي لصالح المحور الصيني–الباكستاني، بما يُهدد النفوذ التقليدي للهند في أفغانستان، ويُهمّش مبادراتها طويلة الأمد الهادفة إلى الوصول المستقل إلى آسيا الوسطى.
على مدار العقدين الماضيين، استثمرت الهند بشكل واسع في أفغانستان ومشاريع "النقل العابر" فيها، لتعزيز حضورها الاقتصادي والجيوسياسي. من أبرز هذه المحاولات: المشاركة في تطوير ميناء تشابهار الإيراني، وإطلاق ممر زاهدان–زرنج، وهي مسارات صُممت لتجاوز الأراضي الباكستانية وربط الهند بأفغانستان ومن ثم بآسيا الوسطى عبر إيران.
في عام 2009، افتتح الرئيس الأفغاني آنذاك حامد كرزي، ووزير الخارجية الهندي برانا موخرجي، طريق ديلارام–زرنج، بطول 220 كيلومتراً وبتمويل قُدّر بنحو 140 مليون دولار من المساعدات التنموية الهندية. ويربط هذا الطريق أفغانستان بالموانئ الإيرانية الكبرى، بما في ذلك تشابهار وبندر عباس. وقد اعتبرت باكستان، منذ البداية، هذا المشروع تهديداً استراتيجياً، وعرّضته لهجمات قاتلة من قبل حركة طالبان.
لكن، عودة العقوبات الأميركية على مشروع تشابهار، وتصاعد التوترات في الشرق الأوسط، إلى جانب التوسع التدريجي لنفوذ الصين في أفغانستان بوصفها شريكاً استراتيجياً لباكستان، قد أثار مخاوف متزايدة في نيودلهي. ويرى محللون هنود أن الهند بدأت تفقد موقعها الإقليمي، وأن مكاسبها من عقدين من الاستثمارات في أفغانستان، والتنافس الاستراتيجي للحصول على نفوذ في آسيا الوسطى باتت مهددة بشكل حقيقي.
ميناء تشابهار
إن تحقيق ربط ممر واخان بمشروعالممر الاقتصادي الصيني الباكستاني،لا يهدد فقط الممرات البديلة التي أنشأتها الهند، بل يمهّد أيضاً الطريق أمام الصين لتوسيع نفوذها الاقتصادي والجيوسياسي نحو غرب آسيا؛ وهو ما قد يعمّق عزلة الهند إقليمياً ويُضعف من فعالية مبادراتها البنية التحتية في جنوب ووسط آسيا.
ومن هنا، ينبغي فهم ردود فعل الهند الحادة ضمن إطار سياسة احتواء أوسع تهدف إلى الحد من نفوذ الصين وباكستان في محيط أفغانستان وآسيا الوسطى. فبالنسبة لنيودلهي، يُعدّالممر الاقتصاديوربطه بممر واخان أداة استراتيجية لتهميش المصالح الجيوسياسية الهندية. وفي هذا السياق، ترى بعض الدول الغربية أيضاً أن تمدد الصين باتجاه المحيط الهندي يشكل تهديداً لمعادلة التوازن الإقليمي.
وفي ظل هذا الوضع المعقد، يُطرح تساؤل محوري: هل ستتمكن الهند من التنسيق مع واشنطن لرفع العقوبات عن مشروع تشابهار؟ وهل تستطيع صياغة شراكة استراتيجية أوسع مع روسيا ودول آسيا الوسطى لإحياء هذا الممر الحيوي؟
على الضفة الأخرى، لا يزال مستقبل ممر واخان، بوصفه أحد الطرق الرئيسة لتوسيع مشروع الممر الاقتصادي، يكتنفه كثير من الغموض. فغياب البنية التحتية الملائمة، واستمرار التوترات الأمنية في إقليمي بلوشستان وخيبر بختونخوا –والتي تتهم إسلام آباد نيودلهي بالوقوف وراء الاضطرابات فيهما– بالإضافة إلى تصاعد المنافسة الاستراتيجية بين القوى الإقليمية، تشكل كلها تحديات بارزة أمام تنفيذ هذا المشروع.
ولا شك أن انضمام أفغانستان إلىالممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني عبر ممر واخان يفتح فصلاً جديداً من التنافس الجيوسياسي في المنطقة؛ وهو تنافس يتجاوز أبعاده الاقتصادية، ليشمل جوانب سياسية وأمنية بالغة التعقيد.
وفي هذا السياق المضطرب، يبرز سؤال جوهري: هل ستتمكن طالبان من إيجاد توازن استراتيجي بين القوى المتنافسة؟ وهل ستنجح في تحويل دور أفغانستان من "ساحة صراع" إلى "جسر للتواصل الإقليمي"؟.