10 أيام غيّرت وجه أفغانستان: طالبان من نيمروز إلى القصر
في السادس من أغسطس 2021، كانت "زرنج" عاصمة ولاية نيمروز، أول مدينة كبيرة تسقط في يد طالبان. كانت المدينة تعيش حالة من القلق والخوف، حيث فرضت طالبان طوقاً عسكرياً حولها من عدة جهات، وقطعت أصوات الرصاص هدوء المدينة.
انهارت خطوط المقاومة التابعة للقوات الأمنية سريعاً، وانسحب الجنود والمسؤولون نحو مديرية محافظة "جهار برجك"، وسيطر مقاتلو طالبان تدريجياً على أحياء المدينة، واقتحموا مقر الولاية، ورفعوا علمهم الأبيض على المبنى، كما سيطروا على مطار "زرنج"، وفتحوا أبواب السجون، وحرّروا جميع السجناء.
سادت حالة من الصمت المخيف المدينة، وقال مسؤولون أمنيون محليون للصحافة: "طلبنا الدعم من كابل، لكن لم يصلنا أي رد"، ومنذ تلك اللحظة، خرجت ولاية نيمروز الواقعة غرب أفغانستان عن سيطرة الحكومة الأفغانية السابقة.
فرّ المئات من سكان المدينة نحو الحدود الإيرانية، إلا أن حرس الحدود الإيراني منعهم من العبور.
وفي الوقت ذاته، كانت اشتباكات عنيفة تدور في ولاية هلمند جنوب البلاد، بين قوات الأمن وطالبان.
السابع من أغسطس: جوزجان وتخار
شهدت ولاية جوزجان يوماً دامياً في السابع من أغسطس، حيث انسحبت القوات الحكومية من مدينة شبرغان، وسيطرت طالبان تدريجياً عليها. وأعلن نائب حاكم الولاية أن مقاتلي طالبان دخلوا "القصر رقم 500" التابع للجنرال عبد الرشيد دوستم، فيما انسحب أنصار الجنرال أيضاً من المدينة.
وصرّح المتحدث باسم وزارة الداخلية، ميرويس ستانكزي، أن المدينة ستُستعاد قريباً بدعم من القوات الأمنية والمقاومة الشعبية. لكن شبرغان أصبحت ثاني مدينة كبيرة تسقط بعد زرنج.
في اليوم التالي، الثامن من أغسطس، ظهرت أعلام طالبان البيضاء في شوارع مدينة طالقان، عاصمة ولاية تخار شمال أفغانستان، بعد سقوط المحافظات المحيطة بها واندلاع معارك شرسة. ومع تضييق الخناق على المدينة، انسحبت القوات الشعبية، وهرب عدد من المسؤولين إلى ولايات أخرى.
العاشر من أغسطس: فراه وبغلان
في صباح الثلاثاء، سادت أجواء من الخوف والتوتر وسط ولاية فراه. كانت الأسواق مغلقة جزئياً، وكان المواطنون يراقبون الوضع من نوافذ منازلهم. شنّت طالبان هجمات مكثفة من عدة جهات على المدينة. وبعد أيام من المقاومة، انسحبت القوات الحكومية، وسقط مقر الحاكم، ومديرية الأمن، والسجن، وجميع المباني الحكومية في أيدي طالبان.
في نفس اليوم، كانت ولاية بغلان الشمالية تواجه انهياراً مماثلاً. وسبق أن شهدت الولاية مواجهات متكررة دون حاسم، ولكن مع غروب شمس يوم العاشر من أغسطس، كانت بغلان قد سقطت بيد طالبان، ورُفعت أعلامها في الميادين العامة.
11-12أغسطس: هرات وهلمند وقندهار
في الثاني عشر من الشهر نفسه، أعلنت طالبان أنها سيطرت على عاصمة ولاية هرات، وحرّرت ثلاثة آلاف سجين. وأعلن المتحدث باسم طالبان، ذبيح الله مجاهد، إن مقاتليهم سيطروا على مباني الحكومة والسجن ومديرية الأمن والجامع الكبير.
مع صباح الثالث عشر من أغسطس، كانت طالبان سيطرت على عواصم 15 ولاية، ففي الليلة التي سبقتها، سقطت ولاية هلمند بيد طالبان، كما انسحبت القوات الحكومية من مدينة لشكرغاه. وأطلق مقاتلو طالبان النار في الهواء، ورددوا أناشيدهم احتفالاً بالنصر.
في قندهار، المعقل الرئيسي للحركة، انسحبت القوات الحكومية بعد معارك عنيفة، وسقطت المدينة بيد طالبان. وسُجّلت مشاهد لجثث أفراد الجيش في الشوارع، بينما كانت طالبان تطلق نيران الأسلحة الثقيلة والخفيفة وتردد شعارات النصر. أعلن ذبيح الله مجاهد في تسجيل مصور من مقر الولاية أن المدينة أصبحت تحت سيطرتهم الكاملة.
وبذلك أصبحت طالبان تسيطر على ولايات نيمروز وجوزجان وفراه وتخار وبدخشان وسربل، إضافة إلى قندوز وسمنغان وبغلان وغزني وكندهار وهرات وهلمند، وكانت في طريقها للسيطرة على ما تبقى من ولايات البلاد.
الثالث عشر من أغسطس: بادغيس وأروزغان وزابل ولوغر
في هذا اليوم، أعلنت طالبان سيطرتها على عاصمة ولاية بادغيس، بالإضافة إلى مديرية الأمن، ومبنى الحاكم والسجن وجميع المباني الحكومية الأخرى. وانسحبت القوات الحكومية، بينما ألقى بعض الجنود أسلحتهم.
وفي اليوم نفسه، سيطرت طالبان على عواصم ولايات أروزغان، وزابل، ولوغر. وكانت معظم المحافظات في لوغر تحت سيطرة الحركة فعلياً، وكانت تقترب من العاصمة كابل شيئاً فشيئاً. فرّت مواكب من المسؤولين نحو كابل، بينما بدأت مفاوضات مع طالبان بشأن تسليم محافظة "خوشي".
قالت طالبان إن مدينتي ترينكوت وقلات سُلّمتا بشكل سلمي دون قتال، فيما صرح رئيس مجلس زابل "عطا جان حق بيان" أن المسؤولين كانوا يفرون من المدينة عند دخول طالبان.
الرابع عشر من أغسطس: بلخ وفارياب ولغمان وكُنر وبكتيا وبكتيكا:
في هذا اليوم سيطرت طالبان على عواصم ولايات بلخ وفارياب ولغمان وكُنر وبكتيا وبكتيكا، كما فرضت سيطرتها على معبر "أقينه" التجاري في فارياب. أما في بكتيكا، سيطرت على مدينة "شرنه"، وأعلن المتحدث باسم الحركة أن المباني الحكومية أصبحت تحت سيطرتهم.
ترافقت هذه الأحداث مع تقارير عن اشتباكات في بلخ وفارياب. وفي نفس اليوم، أعلنت الحركة سيطرتها على عاصمة ولاية كنر ومحافظاتها. وفرّ المسؤولون من المدينة، وسُلّمت بشكل كامل لطالبان. تم تداول مقاطع لمواطنين يرشقون مركبات الجيش الوطني بالحجارة، ما أثار ردود فعل واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي.
وفي تغريدة على تويتر، أعلن ذبيح الله مجاهد السيطرة الكاملة على عاصمة ولاية لغمان، ليصبح سادس مدينة كبيرة يتم الاستيلاء عليها خلال يوم واحد.
14-15أغسطس: سقوط كابيسا وبروان وباميان وننغرهار وخوست وميدان وردك ودايكندي:
خلال يومي الرابع عشر والخامس عشر من الشهر نفسه، أعلنت طالبان سيطرتها على عواصم ولايات كابيسا وبروان وباميان وننغرهار وخوست وميدان وردك ودايكندي.
دخلت طالبان مدينة جاريكار، عاصمة بروان، قبل الظهر، واستولت على المباني الحكومية، وفي كابيسا، سلّم المسؤولون جميع المقرات الحكومية لطالبان.
أما في باميان، سيطرت الحركة على مكتب حاكم الولاية والمباني الحكومية، فيما انسحبت القوات إلى مناطق أخرى.
أما في ننغرهار، فقد سلّم الحاكم ضياء الحق أمرخيل مهامه لطالبان، وفي خوست سلّمت القوات الحكومية معداتها للحركة.
بينما أعلن المتحدث باسم طالبان سيطرتهم على معبر "تورخم" الحدودي، وقال إن عمليات "تطهير" مدينة جلال آباد جارية.
وبذلك أصبحت طالبان تسيطر على 24 ولاية. وذكر وجهاء محليون وأعضاء مجالس المحافظات أن معظم الولايات سُلّمت عبر مفاوضات سلمية، دون قتال يُذكر.
وفي كلمة مسجّلة، قال الرئيس أشرف غني إن البلاد تواجه خطر الانهيار، وإنه بدأ مشاورات للسيطرة على الوضع. وأكد التزامه بالحفاظ على "مكتسبات العشرين عاماً الماضية".
الخامس عشر من أغسطس: طالبان على أبواب كابل
مع ساعات الصباح الأولى، سُمعت أصوات المعارك القادمة من ميدان وردك. وبعد معارك ليلية، سقطت المدينة في يد طالبان بحلول التاسعة صباحاً. بينما فرّ كبار المسؤولين إلى كابل، وأكدت طالبان سيطرتها على المباني الحكومية.
في ضواحي كابل، كانت مناطق مثل باغرام، وجهل ستون وأحمد شاه بابا مينه، والمناطق المجاورة لها، تشهد انتشاراً لمقاتلي طالبان، حيث استقر بعضهم في منازل أصدقائهم.
دخلت طالبان العاصمة دون مقاومة تُذكر، وسيطرت على القصر الرئاسي ووزارة الدفاع وقيادة الأمن والشرطة، والوزارات الرئيسية. وأُنزل العلم الوطني، ورُفع علم طالبان الأبيض.
في لحظات لا تنسى.. فرّ الرئيس أشرف غني مع حاشيته عبر ثلاث مروحيات إلى أوزبكستان، ومنها إلى الإمارات. الرئيس السابق حامد كرزي، ورئيس المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية عبد الله عبد الله، وزعيم الحزب الإسلامي قلب الدين حكمتيار وقادة آخرون فبقوا في منازلهم، ودعوا الشعب إلى الهدوء.
تدفقت حشود ضخمة إلى مطار كابل، وشُلّت حركة المرور، وتحول التنقل لساعات. سُجّلت حوادث إطلاق نار ونهب، في حين كانت شوارع المدينة تعجّ بمسلحي طالبان على الدراجات النارية.
السادس عشر من أغسطس: المروحيات العسكرية تفرّ إلى طاجيكستان وأوزبكستان
أفادت تقارير أن ست مروحيات عسكرية أفغانية غادرت البلاد نحو طاجيكستان وأوزبكستان. وأكدت السلطات الطاجيكية دخول خمس طائرات إلى أجوائها، وعلى متن إحداها عشرات الجنود، الذين هبطوا في مطار باختر.
في الأمم المتحدة، دعا مندوب أفغانستان غلام إسحاقزي، مجلس الأمن إلى فتح ممر إنساني لإجلاء الأفغان المهددين.
وأعلنت بريطانيا أنها تجلي مئات المواطنين يومياً. وأكد الجنرال كينيث ماكنزي، قائد القوات الأميركية في كابل، أن اتفاقاً جرى مع طالبان لتسهيل انسحاب القوات الأمريكية دون تدخل.
وفي المساء، أطلق مقاتلو طالبان النار في الهواء احتفالاً بسيطرتهم على العاصمة.
الثامن والعشرون من أغسطس: مفاوضات بنجشير وسقوطها
بنجشير كانت الولاية الأخيرة التي لم تسيطر عليها طالبان. في الثامن والعشرين من أغسطس، أعلنت الحركة أن قواتها دخلت الولاية من أربع جبهات. وقال المتحدث باسم طالبان إن وفداً بقيادة أحمد مسعود زار كابل والتقى بقيادات من طالبان.
في السادس من سبتمبر، بثّت طالبان تسجيلاً مصوراً يظهر رفع علمها في ولاية بنجشير. وأكد ذبيح الله مجاهد أن الولاية أصبحت بالكامل تحت سيطرة الحركة.
أحمد مسعود ونائب الرئيس أمر الله صالح قالا إنهما في "مكان آمن"، ودعوا الشعب إلى الانتفاض ضد طالبان. وأفادت مصادر محلية بمقتل الصحفي المعروف فهيم دشتي وعدد من أفراد الجبهة المناهضة لطالبان خلال المواجهات بينهما.