في السادس عشر من أغسطس 2021، أي بعد يوم واحد فقط من دخول طالبان العاصمة كابل، تدفقت حشود ضخمة من الأفغان إلى محيط ومدرجات المطار في محاولة يائسة لمغادرة البلاد.
وبينما كان الطيران الأميركي ينفذ عمليات إجلاء، اندفع مئات الأشخاص نحو طائرة نقل عسكرية أميركية كانت تتحرك للإقلاع. بعضهم تسلق جسم الطائرة، وتمسك بعجلاتها أو بجوانبها المعدنية، على أمل أن تقلهم إلى بر الأمان.
لكن دقائق قليلة بعد الإقلاع كانت كافية لتحويل المشهد إلى مأساة، إذ سقط عدد منهم من ارتفاع شاهق أمام أنظار المئات، في لحظات وثّقتها عدسات الكاميرات وانتشرت صورها ومقاطعها في جميع أنحاء العالم، لتصبح رمزاً لفوضى الانسحاب الأميركي.
من بين الضحايا، كان الشاب شفيع الله هوتك (18 عاماً)، الذي كان يحلم منذ طفولته بأن يصبح طبيباً، لكنه اضطر لترك الدراسة والعمل من أجل إعالة أسرته لعدم توفر المال اللازم للتعليم.
صباح ذلك اليوم، خرج حاملاً معه مبلغ 50 أفغاني، أخبر والديه: "أنا ذاهب إلى أميركا".
ووفق والدته، "زر بيبي هوتك"، كان مقتنعاً بأن الحياة لن تتحسن تحت حكم طالبان، وأن الفرصة الوحيدة أمامه هي الرحيل. وقالت: ةأعطيته هويتي الشخصية، وترك البيت وهو يملؤه الأمل. بعد ساعات، وصلنا الخبر المفجع بأنه سقط من الطائرة".
الأم تروي كيف وصلتها الصدمة عبر أقارب شاهدوا صور ابنها على "فيسبوك" نشرها أشخاص كانوا في المطار.
وتابعت: "صرخت وركضت إلى الخارج مثل المجنونة، لم يعرف الجيران كيف يتصرفون، أحدهم أمسك بي وأعادني إلى المنزل".
لاحقاً، عُثر على جثة شفيع الله فوق سطح منزل في شمال كابل، على بُعد عدة كيلومترات من المطار.
القصص المأساوية لم تتوقف عند هذا الحد. من بين الضحايا كان "فدا محمد أمير" (24 عاماً) غادر منزله في ذلك الصباح متظاهراً أن لديه موعداً في عيادة أسنان. يقول والده: "كنا نعتقد أنه سيعود بعد فترة قصيرة، لكن بعد الظهر حاولنا الاتصال به ولم يرد. ثم جاءنا اتصال من شخص مجهول في المطار يسأل: هل تعرفون فدا؟ لقد سقط من الطائرة".
أما "زكي أنوري" فقد لقي حتفه بطريقة مختلفة بعدما علق تحت عجلات الطائرة.
شقيقه، ذاكر أنوري، وجه اتهاماً مباشراً لطاقم الطائرة بالتقصير، قائلاً: "الطائرة مزودة بكاميرات، والطيار كان يعلم بالخطر، وكان يمكنه التوقف قبل الإقلاع".
لكن الجيش الأميركي رد حينها بأن الطائرة كانت محاصرة بمئات المدنيين، وأن قرار الإقلاع الفوري اتُخذ لتجنب أي مخاطر أكبر على الأرض.
هذه الحوادث، التي وقعت في الساعات الأولى من انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، بقيت محفورة في ذاكرة الأفغان، لا سيما عائلات الضحايا الذين فقدوا أبناءهم في لحظة اختلط فيها الخوف بالأمل، وتحولت رحلة البحث عن حياة جديدة إلى مأساة علنية شهدها العالم بأسره.