وقال "سيغار" إنه الولايات المتحدة خصصت بين عامي 2002 ومنتصف 2021، نحو 144.7 مليار دولار لإعادة إعمار أفغانستان، لكن هذه المهمة التي كانت تهدف إلى بناء دولة مستقرة وديمقراطية انتهت دون تحقيق أهدافها.
وذكر المكتب، الذي عمل داخل أفغانستان طوال 17 عاماً، أن الفساد البنيوي، وضياع الموارد على نطاق واسع، وفشل البرامج الأمنية والتنموية، إضافة إلى استفادة حركة طالبان من جزء من المساعدات الدولية، كانت من أبرز أسباب إخفاق المهمة الأميركية التي امتدت لعشرين عاماً.
وقال "سيغار" إن مهمته الأساسية كانت الرقابة والتدقيق ومراجعة كيفية إنفاق المساعدات الأميركية المخصّصة لعملية إعادة الإعمار.
إنفاق غير مسبوق
وأشار التقرير إلى أن الكونغرس الأميركي صادق، بين 2022 و30 يونيو 2025، على حزمة إجمالية بلغت نحو 148.2 مليار دولار لإعادة إعمار أفغانستان، خُصص منها 144.7 مليار دولار قبل سقوط الحكومة السابقة في منتصف 2021. وقال "سيغار" إن هذا الحجم من الإنفاق يفوق ــ عند احتساب التضخم ــ ما أنفقته الولايات المتحدة في "خطة مارشال" لإعادة إعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية.
وأوضح التقرير أن أكثر من 77.9 مليار دولار صُرفت على القطاع الأمني، ونحو 36.3 مليار دولار على الحوكمة والتنمية، و4.7 مليار دولار للمساعدات الإنسانية، و9.4 مليار دولار لبرامج مكافحة المخدرات.
وفي خلاصة 17 عاماً من الرقابة، قال "سيجار" إن ما بين 26 و29.2 مليار دولار من أموال إعادة الإعمار انتهت في خانة الإنفاق "المشبوه"، أو المشاريع الفاشلة، أو الاستثمارات الضائعة، أو الفساد.
وأوضح أن من بين هذه المبالغ نحو 7.3 مليار دولار خُصصت لبرامج مكافحة المخدرات التي لم تحقق أي نتيجة، و4.7 مليار دولار لمشاريع تثبيت الاستقرار التي لم تصل إلى أهدافها، وأكثر من 2.4 مليار دولار ضاعت في مبانٍ ومنشآت وتجهيزات كبيرة لم تُستَخدم كما كان متوقعاً. كما أشار إلى دفع 232 مليون دولار كرواتب وصفها بأنها "غير صحيحة أو غير معروفة".
وفي ما يتعلق بإعادة بناء القطاع الأمني، ذكر التقرير أن الولايات المتحدة خصصت ما يقارب 90 مليار دولار لبناء وتجهيز القوات الأمنية الأفغانية، بينها 77.9 مليار دولار مساعدات أمنية، وأكثر من 31.2 مليار دولار للبنى التحتية والمعدات والتدريب، إلى جانب مليارات أخرى للمركبات والأسلحة والذخائر. لكن هذه القوات انهارت سريعاً بعد خروج القوات الأميركية.
وأوضح التقرير أن الولايات المتحدة تركت وراءها "مليارات الدولارات من المعدات والإنشاءات العسكرية والمدنية"، وأن الكثير منها وقع في يد حركة طالبان، بما في ذلك مركبات وأسلحة ومنشآت كانت معدّة للقوات الأمنية السابقة، وأصبحت اليوم جزءاً من القدرات العسكرية لطالبان.
اقتصاد هش وفقر مستمر
وذكر التقرير أن محاولات الولايات المتحدة لبناء اقتصاد مستقر وتقليل مستويات الفساد لم تُنتِج مؤسسات دائمة، وأن الفقر والبطالة ظلا مرتفعين رغم سنوات من النمو الاقتصادي، وأن أفغانستان حتى لحظة سقوط الحكومة عام 2021 بقيت غارقة في الفقر والفساد وضعف المؤسسات.
وأضاف أن الجهود الأميركية لبناء نظام انتخابي نزيه، وتعزيز سيادة القانون، وإنشاء نظام ديمقراطي، لم تحقق نتائج عملية، مشيراً إلى أن الانتخابات الأفغانية كانت "بشكل منتظم" عرضة لاتهامات التزوير والتهديد والرشوة والتدخل السياسي، وأن النتائج كانت تُعلَن في كثير من الأحيان بعد تدخل أميركي أو تسويات سياسية بين المرشحين.
أسباب انهيار النظام السابق
وأشار "سيغار" إلى تقارير سابقة له حول أسباب سقوط الحكومة والقوات الأمنية. وفي التقييم الأول، حدد ستة عوامل أبرزها: عدم اقتناع الحكومة الأفغانية بأن الولايات المتحدة ستنسحب فعلياً، واستبعاد كابل من مفاوضات واشنطن مع طالبان، ورفض طالبان تقديم أي تنازلات، إضافة إلى فساد إدارة الرئيس أشرف غني وحكمه المركزي وضعف شرعيته.
وفي التقييم الثاني، أكد "سيغار" أن قراري الرئيسين الأميركيين المتعاقبين بالانسحاب أثّرا في كل القرارات اللاحقة للحكومة الأفغانية وطالبان والوكالات الأميركية، وسرّعا انهيار القوات الأمنية في أغسطس 2021، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة لم تُنشئ خلال عشرين عاماً قوة مستقلة وقادرة على الصمود.
أخطاء الولايات المتحدة
وقال "سيجار" إن المهمة الأميركية تحولت من عملية محدودة لمكافحة الإرهاب إلى مشروع واسع لـ"بناء دولة"، بينما كانت أفغانستان تفتقر إلى البنية التحتية والمؤسسات التي بنت عليها الولايات المتحدة أهدافاً "طموحة بشكل غير واقعي". وأضاف أن عدداً من المسؤولين الأميركيين السابقين الذين تحدّث إليهم "سيجار" يرون أن "بذور الفشل" زُرعت قبل سنوات من الانسحاب، وأن النجاح ربما كان مستحيلاً بالنظر إلى حجم الأهداف الموضوعة.
كما نقل التقرير شهادات لمسؤولين ودبلوماسيين قالوا إن استبعاد طالبان من العملية السياسية في السنوات الأولى ساهم لاحقاً في وصول الأمور إلى طريق مسدود.
وذكر التقرير أن اعتماد الولايات المتحدة على زعماء محليين متهمين بانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان أضعف المهمة، وعزّز نفوذ طالبان. واستشهد بحالات استخدم فيها بعض الولاة والقادة المحليين الدعم الأميركي لتصفية خصوم شخصيين عبر وسمهم بأنهم "طالبان"، ما دفع شرائح من المجتمع للانضمام إلى التمرد.
وأشار التقرير إلى أن والي قندهار السابق، غل آغا شيرزي، أقنع قوات بريطانية باستهداف أشخاص أراد التخلص منهم عبر الادعاء بأنهم من طالبان، وهو ما دفع المزيد من السكان للالتحاق بالمتمردين. كما أشار إلى الجنرال عبد الرازق، قائد الشرطة القوي في الجنوب، الذي اتهم بالتعذيب والاختفاء القسري وخلق أجواء من الترهيب، لكنه اعتُبر من جانب القوات الأميركية "شرّاً ضرورياً" بسبب دوره في حفظ الأمن، قبل أن يُقتل عام 2018 على يد عنصر تبيّن لاحقاً أنه مرتبط بطالبان.
فساد مالي وأخلاقي
وأشار التقرير إلى حالات تجاهل فيها الأميركيون انتهاكات مثل الاعتداء الجنسي على الأطفال داخل صفوف القوات الأمنية، بحجة الحفاظ على العلاقة مع القادة المحليين.
كما ذكر قضية محمد ضياء صالحي، أحد المقربين من الرئيس السابق حامد كرزي، الذي قال التقرير إنه هرّب نحو ثلاثة مليارات دولار لمسؤولين حكوميين وتجار مخدرات ومتمردين، من دون أن يصل الملف إلى نتيجة.
وقال "سيغار" إن الأمم المتحدة أدخلت إلى أفغانستان، بين أواخر 2021 ومنتصف 2025، نحو 3.8 مليار دولار نقداً لتمويل مشاريع المانحين ودفع الرواتب وتثبيت النظام المالي، لكن حركة طالبان استفادت مالياً من هذا التدفق عبر التحكم بالنظام المصرفي وفرض الضرائب.
وفي مراجعة منفصلة، قال "سيجار" إن 10.9 ملايين دولار من المساعدات الأميركية التي أُديرت بعد سيطرة طالبان استُخدمت في دفع ضرائب لحكومة طالبان. كما أشار إلى أن 57.6 مليون دولار من المساعدات الأميركية "داخل الموازنة" التي حُولت قبل سقوط الحكومة، بقيت في الحسابات المصرفية بعد أغسطس 2021، وربما أصبحت حركة طالبان قادرة على الوصول إليها.
الجدير بالذكر أن مهمة "سيغار" ستنتهي رسمياً في 31 يناير 2026، وهذا التقرير هو آخر إصداراتها.