في صيف عام 2021، غطّت سحب المعارك سماء جنوب أفغانستان، وكان قندهار، التي تُعتبر قلب السياسة الأفغانية، تتجه تدريجياً نحو السقوط. ومن أوائل يونيو وحتى الثالث عشر من أغسطس، كانت خطوط القتال تقترب يومياً من المدينة.
في الثالث من يونيو، كانت أكثر من 27 ولاية إما محاصرة أو تحت ضغط شديد من طالبان. الطرق الرئيسية التي تربط المدن ببعضها، والتي تُعتبر شرايين الحركة، كانت تُغلق واحدة تلو الأخرى.
كانت طرق قندهار –هرات-قندهار– وهلمند تحت سيطرة طالبان، مما أدى إلى قطع خطوط إمداد المدينة. كما أُغلقت طرق عديدة بين مراكز الولايات والمدن الأخرى على يد طالبان.
في قندهار، أدى النزاع القَبَلي المستمر على النفوذ السياسي والصراعات الخفية بين مختلف الأطراف إلى إضعاف البنية الأمنية. النزاع السياسي بين أشقاء الرئيس السابق حامد كرزي، وقائد أمن ولاية قندهار الجنرال رازق أجكزي، وكذلك القادة السياسيين قل آغا شيرزي وكليم الله نقيبي حول الامتيازات أضعف الهياكل المدنية والعسكرية. كانت القدرات العسكرية كبيرة، لكن الحافز لصد تقدم طالبان كان ضعيفاً.
تضاءلت تدريجياً قوة تأثير القائد تادين خان، شقيق الجنرال رازق، الذي كان يُعتبر يوماً من أقوى الشخصيات الأمنية في قندهار. وتباينت آراء السياسيين حول دوره، فبعضهم اعتقد أن مقربيه يعمدون إلى عدم التصدي لتقدم طالبان، فيما ألقى آخرون اللوم على الحكومة المركزية لسياساتها الفاشلة في إدارة الصراعات على أطراف المدينة والمناطق النائية.
طالبان على أبواب المدينة
في أوائل يونيو، اندلعت المعارك في أرغنداب، بينواي، دند، زرعي، شاوليكوت وميوند. ومع مرور الأيام، كانت المعارك تقترب خطوة بخطوة من أبواب المدينة.
في 19 يونيو، أعلن عن تغييرات قيادية في وزارة الدفاع، حيث أصبح الجنرال بسم الله محمدي قائماً بأعمال الوزير والجنرال ولي محمد أحمدزي رئيس أركان الجيش، لكن في قندهار كانت فقط مناطق زرعي، دند، دامان، بينواي، سبين بولدك وتخته بل، تحت سيطرة الحكومة، بينما كانت المعارك مركزة على الضواحي الأمنية للمدينة.
في 5 يوليو، وصل وزير الداخلية عبد الستار ميرزكوال ورئيس الأركان ولي محمد أحمدزي إلى قندهار، لكن وصولهم لم يوقف شدة المعارك. كانت سبين بولدك، وتخته بُل ودند لا تزال تحت هجمات شديدة، وكانت ثلاث أطراف المدينة تشهد إطلاق نار وانفجارات متكررة.
كانت محاولات وزارتي الداخلية والدفاع لحماية المدينة صعبة، إذ أدى التغيير في قيادة الأمن وفقدان تادين خان وحلفائه النفوذ إلى إحباط بعض الجنود الموالين لعائلة الجنرال رازق.
في 8 يوليو، تم تعيين الجنرال سالم إحساس قائداً لأمن المدينة، لكن إعادة بناء خطوط الأمن ومنح الجنود الثقة والروح المعنوية لم يكن أمراً سهلاً.
كانت القوات الأفغانية تكرر باستمرار نقص الدعم السياسي وانتقاد القادة لعدم تقديمهم الدعم المطلوب. كانت مستشفيات قندهار ممتلئة بالجنود الجرحى، وكان وضع البعض حرجاً للغاية، فيما غادر العديد من الجنود مواقعهم، وفي بعض النقاط كان عددهم أقل من طالبان.
أعلن حاكم ولاية قندهار الجديد روح الله خانزاده في 17 يوليو خلال مؤتمر صحفي أن الشخصيات السياسية في الولاية كانت متورطة في الفوضى، وأنهم يتلقون أوامر من كابل لسحب القوات.
وقال: "قندهار سقطت سياسياً، لكنها لم تسقط عسكرياً"، واتهم بأن المواقع كانت تُترك واحدة تلو الأخرى والجنود يجلسون في المنازل.
مع ذلك، كانت المناطق تنهار تدريجياً، وفي 24 يوليو سقطت بوابة المدينة المهمة، بينواي، في يد طالبان. وكان قائد الأمن للمنطقة، نظر علي، مقرباً من تادين خان، وقد شغلت القوات تحت قيادته سابقاً مواقع في أرغستان، خاکریز، معروف وميوند، والتي كانت قد سقطت بالفعل.
خلال تلك الأيام، وزعت الحكومة أسلحة على المدنيين تحت شعار "الانتفاضة الشعبية" للوقوف في وجه طالبان، لكن الحقيقة على الأرض كانت مختلفة، إذ لم تتمكن الحكومة من دعم قواتها الرسمية، فما كان للمدنيين سوى القليل ليقوموا به.
لحظات بداية ونهاية المعارك
في 4 أغسطس، بعد اجتماع بقيادة الرئيس السابق حامد كرزي بين قادة القبائل ووجهاء قندهار، عاد تادين خان إلى المدينة محاولاً صد تقدم طالبان باستخدام نفوذه، لكن زيارته لم تؤثر إيجابياً على خطوط القتال.
في ذلك الوقت، كانت تخته بل المنطقة الوحيدة التي تسيطر عليها القوات الحكومية، بينما كانت باقي المناطق تحت سيطرة طالبان. وبعد أسبوع، عاد تادين خان إلى كابل، وفي 13 أغسطس غادر مع شقيقه عبد الخالق إلى الإمارات.
في 10 أغسطس، كانت 16 من 17 مدينة ومحافظة قد سقطت، وكانت المعارك مستمرة حول مناطق أمنية رئيسية في المدينة، مظهرة قرب نهاية سلطة الحكومة في قندهار.
في 11 أغسطس، بدأت طالبان هجمات قوية على المدينة، وفي اليوم التالي اقتحموا السجن العام في المنطقة السابعة وحرروا أكثر من ألف سجين.
في 13 أغسطس، سقطت قندهار بالكامل في يد طالبان. وأظهرت مباني المحافظة، قيادة الأمن والأمن الوطني علامات العجز، واستسلم المسؤولون دون قتال.
في تلك الليلة، تم نقل قوات خاصة من مقر قيادة القوات الخاصة في "ملا صاحب سراي" إلى مقر الجيش الجوي، حيث دُمّرت المنشأة بالكامل جراء الضربات الجوية وتم تدمير جميع المعدات العسكرية.
في 15 أغسطس، ظهر حاكم قندهار روح الله خانزاده، وعضو البرلمان سيد أحمد سيلاب، وعضو الوفد التفاوضي كليم الله نقيبي أمام وسائل الإعلام مع عدد من مسؤولي طالبان المحليين، وسلّمت المدينة رسمياً لطالبان.
قندهار، التي كانت آخر معقل لمقاومة طالبان ضد القوات الأمريكية والتحالف في 2001، عادت مرة أخرى إلى أيدي طالبان وأصبحت مركز سلطتهم السياسي.
تلك المدينة، التي كان الرئيس السابق أشرف غني يصفها بقلب السياسة الأفغانية، أصبحت الآن تحت سلطة طالبان، وتخوض تجربة صعبة من القيود والتشدد كما هو الحال في باقي ولايات أفغانستان.