أسوشييتد برس: جناح حقاني يتراجع أمام نفوذ زعيم طالبان
كشفت وكالة "أسوشييتد برس" في تقرير تحليلي أنّ نفوذ وزير داخلية طالبان، سراج الدين حقاني، تراجع بشكل ملحوظ بعد أن أحكم زعيم الحركة الملا هبة الله آخوندزاده سيطرته المباشرة على المعدات العسكرية، ما أدى إلى تهميش وزارتي الدفاع والداخلية.
واعتبرت الوكالة أنّ حقاني، الذي انتقد هبة الله مراراً في الماضي، لم يعد قادراً على مواجهة جناح قندهار والتغلب عليه.
حكم قائم على الفتاوى والشرعيات واستعرض التقرير خمسة محاور رئيسية حول واقع حكم طالبان، وأوضح أنّ الحركة تحكم البلاد عبر الأوامر والفتاوى الشرعية، غير أنّ تطلعات الشعب واحتياجاته اليومية لا يمكن تلبيتها عبر الأيديولوجيا وحدها. كما أشار إلى التحديات المرتبطة بتغير المناخ، وتزايد عدد السكان، وتراجع المساعدات الدولية، والتي ستختبر قدرة طالبان على ممارسة قيادة حقيقية.
تثبيت سلطة الزعيم ومنذ توليه قيادة الحركة عام 2016، قاد ملا هبة الله آخوندزاده طالبان من التمرد إلى السلطة، وفرض فهمه المتشدد للدين على مختلف تفاصيل الحياة العامة والخاصة. ووصفه مقربون بأنه المرجع الأوحد لإصدار القرارات، فيما وصل الأمر بوزير التعليم العالي في حكومته إلى اعتبار انتقاد الزعيم "كفراً" والطاعة له "أمراً إلهياً".
تراجع جناح حقاني وصراعات داخلية صامتة
أشارت الوكالة إلى أنّ بعض قيادات طالبان حاولوا الدفع نحو تخفيف القيود المفروضة على النساء من أجل تحسين العلاقات الدولية، غير أنّ آخوندزاده أحبط هذه المساعي. ومع سيطرة زعيم طالبان المباشرة على الترسانة العسكرية، تضاءل نفوذ شخصيات بارزة مثل حقاني، الذي خسر عمّه في هجوم انتحاري نهاية العام الماضي، ويجد نفسه اليوم عاجزاً عن مواجهة جناح قندهار.
أوضاع النساء بلا تغيير
ولم يطرأ أي تحول على وضع النساء والفتيات، حيث تستمر سياسات القمع. وترى الصحفية "زهراء نادر" أنّ اعتراف موسكو بحكومة طالبان رسالة مقلقة تشجع الحركة على المضي في قمع النساء دون خشية عقاب. وأكدت أنّ غياب الاحتجاج العلني لا يعني قبولاً، بل يعكس الخوف من البطش، فيما تستعد النساء نفسياً لمستقبل يتجاوز طالبان.
علاقات إقليمية قائمة على المصالح وتربط طالبان علاقات قائمة على المصالح مع الدول المجاورة، ترتكز على قضايا الحدود والمياه والأمن. ومع مرور الوقت باتت دول المنطقة تتعامل مع وجود طالبان كأمر واقع، وهو ما اعتبرته الصحفية زهراء نادر "تطبيعاً مؤلماً" يتجاهل معاناة النساء مقابل مصالح سياسية واقتصادية.
اختبار المستقبل وحذّر التقرير من أنّ التحدي الحقيقي ما زال أمام طالبان، خاصة مع توقف المساعدات الأميركية الطارئة، والتي كانت تمثل شريان حياة لملايين الأفغان. ومع تصاعد معدلات البطالة والفقر، وتوقع منظمة الصحة العالمية أن يرتفع عدد السكان إلى نحو 77 مليون نسمة بحلول عام 2050، تبدو قدرة طالبان على تلبية احتياجات الناس على المحك.
وختم الخبير توماس روتيغ من شبكة محللي أفغانستان بالقول: "طالبان تعتقد أنها انتصرت بفضل الله والشعب، لكن عليها أن تختار: هل تريد فقط أن تحكم، أم تريد أن تجعل من أفغانستان مكاناً أفضل للعيش؟ هذا هو التحدي الأكبر الذي يواجهها."
في بيان بمناسبة مرور أربع سنوات على حكم حركة طالبان في أفغانستان، قالت مؤسسة ملاله إن النساء والفتيات الأفغانيات ما زلن بعد أربع سنوات من عودة طالبان إلى السلطة يواجهن نظام الفصل الجنسي ويواصلن المقاومة ضدّه.
ودعت المؤسسة المجتمع الدولي إلى دعم النساء الأفغانيات في مواجهة طالبان.
وأشارت غيسو ياري، الباحثة الأفغانية وكاتبة المقال على موقع مؤسسة ملاله، إلى أن شهر أغسطس يشكّل للكثير من النساء والفتيات الأفغانيات فترة مؤلمة تعيد فتح جراحهنّ من جديد.
وتناول المقال القيود المفروضة على النساء والفتيات في أفغانستان، مؤكداً أن طالبان تسعى لمحو حقوق المرأة وتاريخها وهويتها.
كما شدّدت المؤسسة، الداعمة لتعليم الفتيات، على أن التضامن العالمي وقوة المجتمع يشكّلان ركيزة أساسية، وأن دعم المجتمع الدولي ومشاركة المنظمات الشعبية أمر حيوي لمواجهة الأبارتهايد الجنسي الذي تمارسه طالبان وضمان حق الفتيات الأفغانيات في التعليم.
وجاء في البيان: «التمويل المرن هو الوسيلة الأكثر فعالية للحفاظ على المجتمع المدني الأفغاني واستمرار حركة حرية الفتيات والنساء».
كما أكّد المقال على ضرورة دعم الجهود الرامية إلى محاكمة طالبان ومساءلتها، والاعتراف بالأبارتهايد الجنسي كجريمة بموجب القوانين الدولية.
قال وزير الخارجية الألماني يوهان فادفول إن عودة حركة طالبان إلى السلطة غيّرت حياة الشعب الأفغاني بشكل جذري، مشيراً إلى أن "انتهاكات حقوق الإنسان الشديدة أصبحت مرة أخرى جزءاً من الحياة اليومية للأفغان".
وفي بيان صدر اليوم الجمعة بمناسبة الذكرى الرابعة لسيطرة طالبان على أفغانستان، أوضح وزير الخارجية الألماني أن الخامس عشر من أغسطس 2021 كان بالنسبة للنساء والفتيات الأفغانيات "بمثابة انقطاع حاد عن حياتهن السابقة، وبداية حياة بلا حرية ولا أفق للتعليم أو العمل".
وأضاف أن طالبان منذ ذلك الحين "تواصل بشكل متزايد تقييد حقوق النساء والأقليات".
وحذّر يوهان فادفول من أن عودة طالبان إلى المجتمع الدولي ستكون "مستحيلة" ما لم تلتزم الحركة بتعهداتها الدولية، وبخاصة فيما يتعلق بحقوق الإنسان للشعب الأفغاني.
وأشار إلى أن أكثر من نصف سكان البلاد، أي نحو 23 مليون شخص، لا يحصلون على ما يكفي من الغذاء والمياه الصالحة للشرب والرعاية الطبية، لافتاً إلى أن الأطفال والنساء الحوامل يعانون بشكل خاص من سوء التغذية الحاد.
وأكد أن بلاده تقدم المساعدات الإنسانية الطارئة في كل مكان ممكن داخل أفغانستان، لكنها لا توزَّع عبر إدارة طالبان، بل حصراً عبر منظمات دولية مثل الأمم المتحدة.
وأضاف أن برلين، نظراً للوضع الكارثي في أفغانستان، قررت بالتعاون مع وزارة التعاون الاقتصادي والتنمية تخصيص مبلغ إضافي قدره 5.8 مليون يورو كمساعدات.
كما أعرب الوزير الألماني عن "القلق البالغ" إزاء أوضاع الأفغان الذين ما زالوا في باكستان ضمن برامج القبول الفدرالية، مبيناً أن كثيراً منهم مهددون بالترحيل.
وأكد أن الحكومة الألمانية على تواصل رفيع المستوى مع السلطات الباكستانية لضمان حمايتهم وتقديم الدعم الفوري لمن جرى ترحيلهم أو اعتقالهم مؤخراً.
اعتبرت الباحثة في شؤون أفغانستان لدى منظمة هيومن رايتس ووتش، فرشته عباسي، ذكرى سيطرة حركة طالبان على البلاد تذكيراً بفشل وعود المجتمع الدولي، ووصفت يوم 15 أغسطس بأنه "يوم حزينة لملايين الأفغان.
وقالت بأنها ترى نهج طالبان تجاه نساء أفغانستان يُشكل اعتداءً على حقوق المرأة في جميع أنحاء العالم، ويتطلب رداً دولياً حاسماً.
وقالت فرشته عباسي، في مقال نُشر اليوم الجمعة، إن هذه المناسبة تعكس "الوعود المكسورة" من دول ديمقراطية مثل ألمانيا، التي كانت لها سنوات من الوجود في أفغانستان وتعهدت بحماية الأشخاص المعرضين للخطر.
وانتقدت قرار برلين ترحيل 81 لاجئاً أفغانياً في يوليو الماضي، واصفةً ذلك بـ"المأساة الكبرى" وبأنه مؤشر على "تطبيع" الوضع في أفغانستان.
وأضافت أن الحكومة الألمانية، رغم عدم اعترافها بحكم طالبان، أجرت "اتصالات فنية" مع الحركة لتسهيل عملية الترحيل، داعية برلين إلى بذل أقصى الجهود لدعم المحكمة الجنائية الدولية سياسياً وعملياً، بما في ذلك في تحقيقاتها حول أفغانستان.
وأشارت الباحثة إلى أن العام الماضي شهد تجديد تحالف من منظمات حقوقية أفغانية ودولية مطلبه لمجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة بإنشاء آلية دولية مستقلة للمساءلة بشأن أفغانستان، تكون مهمتها جمع وحفظ وتقييم الأدلة على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، لدعم الجهود الرامية إلى محاسبة مرتكبيها.
واعتبرت أن مثل هذه الأداة ستكون خطوة أساسية في الطريق الطويل نحو العدالة للشعب الأفغاني.
وأكدت عباسي على أن "رغم تهاون المجتمع الدولي، لم نفقد نحن الأفغان الأمل. وما زلنا نقاوم القمع، ونُعلّم بناتنا في مدارس سرية، ونرفع أصواتنا رغم الأخطار الجسيمة، ونتمسك بأمل مستقبل أفضل لأفغانستان".
دعت المديرة العامة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) أودري أزولاي، المجتمع الدولي إلى تكثيف الضغط الدبلوماسي على حركة طالبان من أجل إعادة فتح المدارس والجامعات أمام الفتيات في أفغانستان، وهي الدولة الوحيدة في العالم التي لا تدرس فيها الفتيات.
وقالت أودري أزولاي إن طالبان، منذ سيطرتها على البلاد، شرعت في "حملة لإقصاء النساء من المجال العام"، وأصدرت أكثر من 70 مرسوماً ضد النساء والفتيات، ما أدى إلى انتهاك حقوقهن الأساسية.
وأضافت: "اليوم، أصبحت أفغانستان للأسف الدولة الوحيدة في العالم التي يُحظر فيها التعليم الثانوي والعالي على الفتيات"، مشيرة إلى أن نحو 2.2 مليون فتاة مُنعن من الذهاب إلى المدارس بسبب هذا القرار الذي وصفته بـ"الرجعي".
ووفق تقديرات المنظمة، فإن استمرار هذه القيود حتى عام 2030 قد يرفع عدد الفتيات المحرومات من التعليم إلى أكثر من 4 ملايين.
كما لفتت أزولاي إلى أن أكثر من 80٪ من النساء العاملات في الإعلام فقدن وظائفهن منذ عام 2021، محذّرة من أن "حرمان النساء من التعليم والعمل ستكون له عواقب كارثية على مسار التنمية المستدامة في أفغانستان، وسيؤدي إلى فقدان جيل كامل من النساء".
وأوضحت اليونسكو أنها تدعم بدائل تعليمية لمواجهة هذه القيود، حيث درّبت أكثر من ألف مُيسّر محلي في 2600 قرية لتقديم برامج محو الأمية لنحو 57 ألف شاب، معظمهم من الفتيات.
وختمت أزولاي بالقول: "في وقت يسعى فيه البعض إلى تطبيع العلاقات مع طالبان، أطالب المجتمع الدولي بالتعبئة أكثر من أي وقت مضى لاستعادة الحق الكامل في التعليم للنساء الأفغانيات".
استعرض مقاتلو حركة طالبان في ولايتي بلخ وبروان، اليوم الجمعة، بالبراميل الصفراء المتفجرة في الشوارع بمناسبة الذكرى الرابعة لسيطرة الحركة على أفغانستان.
وتُعد هذه البراميل، التي استخدمتها طالبان على مدى العقدين الماضيين في التفجيرات والهجمات الانتحارية، رمزاً دامياً لدى الأفغان، إذ تسببت في مقتل آلاف المدنيين.
وفي العام الماضي، نظّم عناصر طالبان عرضاً مماثلاً في قاعدة باغرام العسكرية، مستخدمين دراجات نارية وبراميل مفخخة بدائية الصنع.
ويعتبر كثير من الأفغان أن "البراميل الصفراء" تجسد ذكريات الانفجار والقتل والإرهاب، إذ كانت من أكثر الأسلحة فتكاً التي لجأت إليها طالبان، وأودت بحياة الآلاف، فضلاً عن تدمير مرافق عامة وطرق، وفق ما أكدته مراراً الحكومة السابقة والمنظمات الدولية، وحتى اعترافات طالبان بها.
وتُعد العبوات الناسفة المصنوعة من هذه البراميل، إلى جانب العبوات المزروعة على جوانب الطرق، من أبرز تكتيكات طالبان القتالية، التي تفاخرت بها، باعتبارها أداة لهزيمة قوى كبرى مثل الولايات المتحدة.
وسبق أن عرضت الحركة هذه البراميل في "متحف ولاية وردك" إلى جانب معدات عسكرية أخرى، بهدف ما تصفه بـ"إبقاء ذكريات الجهاد حية".