وفي ضوء هذه التصريحات، ترى نينا شرما، الباحثة في أحد المراكز البحثية في نيودلهي، أن باكستان لم تحقق "عمقها الاستراتيجي" من خلال دعم طالبان، بل تحوّلت الحركة إلى مشكلة أمنية لهذا البلد.
وقد اندلعت الاشتباكات الحدودية بالتزامن مع زيارة أمير خان متقي، وزير خارجية طالبان، إلى الهند. وكانت باكستان دائمًا قلقة من العلاقات المتنامية بين أفغانستان والهند، سواء في عهد حامد كرزاي وأشرف غني، أو الآن بعد سيطرة طالبان على الحكم.
سعى الاستراتيجيون الباكستانيون إلى ضمان بقاء أفغانستان خالية من النفوذ الهندي حتى تظل حدودهم الغربية آمنة، لكن إسلام آباد تعتقد اليوم أن طالبان تدعم جماعات مسلحة استخدمتها الهند مرارًا لزعزعة الاستقرار داخل باكستان. بمعنى آخر، ما كان يُعرف بـ"العمق الاستراتيجي" تحوّل إلى ثغرة أمنية.
وفي مقال نشرته يوم الاثنين في صحيفة آسيا تايمز، كتبت شرما، الباحثة في مركز السياسات والحوكمة في نيودلهي، أن باكستان فشلت في تأمين حدودها وأراضيها رغم دعمها لطالبان. ووفقًا لإحصاءات "مركز الدراسات والبحوث الأمنية في باكستان"، فقد قُتل نحو 2,414 شخصًا خلال الربع الأول من عام 2025، وهو رقم يقارب إجمالي عدد القتلى في عام 2024 (2,546 قتيلًا).
كما تُظهر بيانات مشروع بيانات النزاعات المسلحة (ACLED) أن باكستان شهدت خلال العام الماضي ما لا يقل عن 600 هجوم أو اشتباك بين حركة طالبان الباكستانية (TTP) وقوات الأمن. وتؤكد إسلام آباد أن دعم طالبان الأفغانية لهذه الجماعات ساهم في تصاعد الهجمات العنيفة.
وأشارت شرما إلى أنه "على مدى العقدين الماضيين، سعى الجيش الباكستاني إلى إيجاد نفوذ في كابول لتقليص تأثير الهند والحفاظ على هدوء الحدود، لكن حتى سيطرة طالبان عام 2021 لم تحقق أيًّا من هذه الأهداف."
وتضيف أن طالبان الآن تحاول تقليص اعتمادها على باكستان وإظهار نفسها كقوة مستقلة، ولهذا السبب توسّع علاقاتها مع الهند، بينما تعجز إسلام آباد عن منع هذا التقارب.
وترى الباحثة أن الغارات الجوية الباكستانية على أفغانستان وتشديد العمليات ضد طالبان الباكستانية لن يقللا من وتيرة العنف في المناطق الحدودية وولاية خيبر بختونخوا، لأن حركة طالبان الباكستانية ترد على هذه الهجمات، بينما ترفض طالبان الأفغانية معالجة مشكلة الملاذات الآمنة لهذه الجماعة بطلب من إسلام آباد.
وقالت شرما: "من الناحية الاستراتيجية، فإن العمق الذي كانت باكستان تبحث عنه ذات يوم أصبح اليوم أشبه بحفرة أمنية تمتص الموارد وتصدر المخاطر."
وتتوقع الباحثة أن باكستان لن تلجأ إلى هجوم بري واسع داخل الأراضي الأفغانية للقضاء على معاقل المسلحين، لكنها ستواصل القصف المدفعي والهجمات الجوية الدقيقة، وستحاول الضغط على طالبان عبر قنوات دبلوماسية باستخدام الصين وقطر.
ومع ذلك، لا ترغب طالبان في إعطاء الانطباع بأنها تخضع للضغوط الباكستانية، إذ ترى أن الصدام مع باكستان يعزز شرعيتها ومكانتها الوطنية في ظل أزمتها السياسية والاقتصادية العميقة.
وتخلص شرما إلى أن طالبان لم تعد مستعدة للعمل كقوة وكيلة كما كانت قبل سقوط كابل، وأنه على باكستان أن تركز على تأمين حدودها وتعزيز تدابيرها الأمنية والاستخباراتية لمنع هجمات الجماعات المسلحة.