كيف كسبت باكستان ودّ ترامب وأثارت قلق الهند؟

ابتسم قائد الجيش الباكستاني، المارشال عاصم منير، أمام عدسات الصحافيين هذا الأسبوع في فلوريدا، خلال مشاركته في مراسم تغيير قيادة القوات الأميركية في آسيا وأفريقيا، إلى جانب كبار الجنرالات الأميركيين.
ابتسم قائد الجيش الباكستاني، المارشال عاصم منير، أمام عدسات الصحافيين هذا الأسبوع في فلوريدا، خلال مشاركته في مراسم تغيير قيادة القوات الأميركية في آسيا وأفريقيا، إلى جانب كبار الجنرالات الأميركيين.
وجاءت زيارته الثانية إلى الولايات المتحدة في أقل من شهرين، بينما تشهد العلاقات بين واشنطن ونيودلهي، الحليفين الموصوفين بالاستراتيجيين في آسيا، تراجعاً ملحوظاً، فقد أجّل وزير الدفاع الهندي زيارته المقررة إلى أميركا، فيما أعلنت الخطوط الجوية الهندية تعليق رحلاتها المباشرة إلى واشنطن.
وفي المقابل، هدّد عاصم منير الهند بهجوم نووي، قائلاً إنه إذا انهارت باكستان النووية، فإن "نصف العالم سينهار معها".
كانت باكستان تدرك شخصية ترامب الميّالة للمقايضة والصفقات، فعرضت على الرئيس الأميركي السماح للشركات الأميركية بالاستثمار في قطاع المعادن، ووقّعت عقوداً في مجال العملات الرقمية مع شركات مرتبطة بعائلة ترامب، وفي وقت كانت فيه الولايات المتحدة تقصف إيران وتؤيد العمليات الإسرائيلية في غزة، أعلنت إسلام آباد أن ترامب يستحق جائزة نوبل.
وقدّما صحيفة "فايننشال تايمز" في تقرير جديد لها، سرداً عن التحول السريع في علاقات إسلام آباد وواشنطن خلال ولاية دونالد ترامب الحالية، وانعكاساته العميقة على المشهد الدبلوماسي في جنوب آسيا.
كيف تغيرت العلاقات
وذكرت "فايننشال تايمز" أن عاصم منير، أقوى قائد عسكري في باكستان وقائد الجيش، حظي باستقبال حافل في الولايات المتحدة، حيث حضر في فلوريدا حفل تقاعد الجنرال مايكل كوريا، قائد القوات الأميركية في الشرق الأوسط، الذي وصف شراكته مع باكستان في مكافحة الإرهاب بـ"الاستثنائية". وفي يونيو الماضي، وبعد شهر فقط من أعنف مواجهة عسكرية منذ عقود مع الهند. وتناول منير غداءً خاصاً استمر ساعتين مع ترامب في واشنطن.
وبحسب كثيرين، يُعدّ هذا الترحيب غير معتاد لقائد عسكري لا يشغل منصباً سياسياً، وينتمي إلى بلد سبق أن اتهمه ترامب بـ"الكذب والخداع". لكن العلاقات بين الطرفين ازدهرت، بينما واجهت الهند بروداً أميركياً.
العملات الرقمية والمعادن
وترى الصحيفة أن هذا التحول كان نتيجة حملة مدروسة من الجنرالات الباكستانيين، ركزت على التعاون في مكافحة الإرهاب، وبناء صلات مع شخصيات مقربة من ترامب، وإبرام اتفاقات في مجالات الطاقة والمعادن والعملات الرقمية، مع تصريحات ثناء من البيت الأبيض.
وأشارت إلى أن خطة "مشروع 2025" الأميركية، التي صدرت قبيل الانتخابات، وصفت الحكومة الباكستانية التي يقودها الجيش بأنها "عميل فاسد للصين". لكن في مارس، سلّمت إسلام آباد أحد عناصر تنظيم داعش خراسان للولايات المتحدة، ما قلب الموازين، وأكسبتها إشادة من ترامب.
وفي أبريل، وقّع مشروع عملات رقمية مدعوم من ترامب مذكرة تفاهم مع مجلس العملات الرقمية في باكستان، وقال زاك ويتكوف، نجل المبعوث الأميركي الخاص، إن باكستان تملك "تريليونات الدولارات" من الثروات المعدنية الجاهزة للتحويل الرقمي. ومنذ ذلك الحين، أصبح بلال بن ثاقب، مستشار العملات الرقمية في باكستان، بمثابة دبلوماسي غير رسمي على تواصل مع الدائرة المقربة من ترامب.
كما يرى مسؤولون باكستانيون أن طريقة تعاملهم في المواجهة العسكرية مع الهند في مايو الماضي عززت صورتهم لدى ترامب، إذ امتنعوا عن التصعيد رغم إسقاطهم عدة مقاتلات هندية، وأتاحوا لواشنطن ودول الخليج التوسط لوقف إطلاق النار، بل ورشّحوا ترامب لجائزة نوبل للسلام.
وجاءت زيارة منير لواشنطن مع استعداد أميركا لضرب إيران، فاستغل الفرصة ليعرض دور باكستان كقناة موثوقة بين واشنطن وكل من طهران وبكين، في مشهد أعاد إلى الأذهان وساطتها في السبعينيات بين الولايات المتحدة والصين. وبعد لقائه قائد القيادة المركزية الأميركية، توجه منير إلى بكين لزيارة مقر الجيش الصيني، ثم استقبل الرئيس الإيراني في إسلام آباد.
وقال الباحث في "معهد الشرق الأوسط" مارفن وينباوم، إن باكستان من الدول القليلة التي تربطها علاقات مع الصين وإيران ودول الخليج، وإلى حد ما مع روسيا، والآن مع الولايات المتحدة، ما يمنحها دوراً استراتيجياً.
ردة فعل حادة من الهند
وأشارت صحيفة "فايننشال تايمز" إلى أن تنامي العلاقات بين واشنطن وإسلام آباد، لا سيما مع فرض رسوم جمركية بنسبة 50٪ على السلع الهندية مقابل 19٪ على الباكستانية، أثار غضب نيودلهي. ونقلت عن مسؤول هندي قوله إن باكستان "حوّلت ضعفها الأولي إلى نجاح" عبر سهولة التعامل مع "أنظمة غير فعالة".
لكن رغم هذا التقارب، يبقى خطر عودة ترامب إلى مواقفه المتشددة تجاه باكستان قائماً، فمعظم مواردها الطبيعية غير مستغلة أو تقع في مناطق مضطربة شهدت العام الماضي مقتل أكثر من ألفي شخص في أعمال عنف، كما أن اقتصادها يعتمد على قرض بقيمة 7 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي، إلى جانب مساعدات من الصين والخليج.
ونقلت الصحيفة عن السفير الباكستاني الأسبق لدى واشنطن حسين حقاني، أن ترامب يستخدم "ورقة باكستان" للضغط على الهند ودفعها إلى طاولة التفاوض، فيما حذّر حسين نديم، المستشار الحكومي السابق، من أن الإفراط في الوعود لترامب قد ينقلب في النهاية ضد إسلام آباد. وأكد رئيس الوزراء الأسبق شاهد خاقان عباسي ضرورة أن تتعامل باكستان بحذر مع تقلبات إدارة ترامب، وتحافظ على مصالحها وكرامتها.
ورغم أن الاندفاعة الباكستانية نحو البيت الأبيض تبدو علامة على براعة دبلوماسية ومرونة في المؤسسة العسكرية-السياسية، فإنها تكشف في الوقت نفسه عن هشاشة هيكلية، إذ إن الاعتماد المفرط على علاقة شخصية مع رئيس مثل ترامب، المعروف بكونه أحد أكثر السياسيين الأميركيين تقلباً، يجعل التعاون عرضة للانهيار مع أي تغيير في موازين السياسة الأميركية.
وأظهرت التجارب السابقة أن السياسة الخارجية الأميركية، خاصة تجاه دول جنوب آسيا، تتأثر باعتبارات داخلية وتغيّرات مفاجئة في الأولويات، وإذا لم تحوّل باكستان هذه اللحظة إلى مكسب دائم، فقد تجد نفسها مجدداً أمام واشنطن وهي تغيّر مسارها بهدوء نحو شريك آخر.
أما بالنسبة للهند، فترى هذه التطورات تهديداً لمكانتها التقليدية كشريك مفضل لواشنطن في جنوب آسيا، وتحدياً لاستراتيجيتها في الموازنة بين الولايات المتحدة وروسيا، فيما يتعين على نيودلهي الآن إدارة التداعيات الاقتصادية للرسوم الجمركية الأميركية، والحذر من أن يصبح التقارب الباكستاني-الأميركي أداة ضغط جديدة على سياساتها الإقليمية.