في أواخر حكمها الأول، فرضت طالبان حظراً على زراعة الأفيون، لكنها في مرحلة مقاومتها الثانية للعودة إلى السلطة رفعت الحظر، وجعلت من هذه الزراعة مورداً مالياً رئيسياً، مضيفة إليها هذه المرة تصنيع المخدرات الكيميائية.
فبعد سقوط طالبان عام 2001، استؤنفت زراعة الأفيون في المناطق الخاضعة لسيطرتها، في خرق واضح لأمر مؤسس الحركة الملا محمد عمر، بشكل علني من دون "دليل شرعي"، وكما حُرّمت زراعة المخدرات لأسباب اقتصادية وسياسية، فقد أُحلّت الآن للأسباب نفسها.
ورغم أن طالبان أقامت محاكم ميدانية في المناطق التي تسيطر عليها، تحت مسمى "تطبيق الحدود الشرعية"، نفّذت خلالها عمليات رجم وإعدام وجلد، فإنها لم تفرض أي عقوبات على زراعة أو إنتاج أو تهريب المخدرات، بل شاركت بشكل مباشر في هذه الأنشطة، وجمعت "العُشر" والضرائب على الأفيون علناً.
وإذا كان إنتاج وتهريب المخدرات لا يراه عامة الناس، ولا يجرؤ أحد على كشفه للإعلام، فإن جباية العُشر والضرائب من زراعة الخشخاش لم تكن سراً. وقد أكد كثير من العلماء حينها أن زراعة الخشخاش محرمة في الإسلام، وأن أخذ العشر منها يمنحها شرعية، وأن طالبان مارست ذلك بلا أي دليل شرعي. ففي عام 2019، قال المفتي شمس الرحمن من كابل: "العشر يكون في المال، والمال شرعاً يجب أن يكون حلالاً، مثل القمح والرمان والعنب. أما الأفيون، فهو مادة مضرة ومخدرة، ولا يُعد مالاً". وأظهرت التطورات الأخيرة أن حظر زراعة الخشخاش لم يكن لدواعٍ شرعية أو لمراعاة مصلحة الشعب. ففي 4 مايو 2020، نشر مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، بالتعاون مع الجهاز المركزي للإحصاء في أفغانستان، تقريراً بيّن أن زراعة الخشخاش في أفغانستان ارتفعت بنسبة 37% في عام 2020، وأن 71% منها تتركز في المناطق الجنوبية الغربية، وأن 224 ألف هكتار كانت مزروعة بالخشخاش، وجنت 350 مليون دولار، ذهب معظمها إلى جيوب المهربين وطالبان، بينما حصل المزارعون على القليل. وفي 9 يونيو 2020، ذكر موقع "ساوث آسيا مونيتور" أن طالبان أنشأت مصانع لإنتاج الهيروين في ولايتي فراه وبادغيس، حيث يباع 60% من الإنتاج للمدمنين داخل البلاد، ويُهرّب الباقي بالتعاون مع شبكات مافيا دولية إلى إيران وجنوب إفريقيا وأستراليا وآسيا الوسطى. وأنشأت الحركة فريقاً خاصاً باسم "فريق التنظيم" يتولى الإنتاج والتهريب، ويركز حالياً نشاطه على ولاية ننغرهار شرقي البلاد، بهدف تهريب المخدرات إلى دول جنوب آسيا. وقال مكتب الأمم المتحدة عام 2008 إن طالبان تجني ما لا يقل عن خمسين مليون جنيه إسترليني سنوياً من تجارة المخدرات. وليس خافياً أن في صفوف الحركة، قديماً وحديثاً، مليارديرات جمعوا ثرواتهم من هذه التجارة. وقائمة المهربين طويلة، لكن نذكر بعض الأسماء البارزة:
الملا غل آغا بدري، المعروف أيضاً بالمولوي هداية الله بدري
من سكان محافظة ميوند في ولاية قندهار، ومن المقربين من الملا محمد عمر، وأحد مسؤولي الشؤون المالية. بعد سقوط حكومة طالبان عام 2001، انتقل إلى كويته، وتولى رئاسة لجنة الشؤون المالية في مجلس شورى كويته. وكان من مهامه التواصل مع تجار المخدرات، وجمع العشر والضرائب وأجور النقل لتمويل الحرب. وفي حكم طالبان الثاني، أصبح وزيراً للمالية، ثم رئيس البنك المركزي، بينما يشغل حالياً منصب وزير المعادن والنفط.
الخلاف بين الملا محمد رسول والملا أختر محمد منصور
زعيم طالبان السابق الملا أختر محمد منصور
إن السبب الرئيسي للخلاف بين الملا رسول وزعيم طالبان السابق الملا أختر محمد منصور، وفقاً للتقارير، هو أن محمد رسول انشق عن طالبان عام 2015 وشكّل جماعة مستقلة خاصة به، وهو ينحدر من ولاية فراه ومن قبيلة "نورزي". وفي العام نفسه، أفادت وسائل الإعلام بأن أحد أسباب هذا الخلاف هو أن الأموال المحصّلة من تجارة المخدرات لم تكن تُقسَّم بعدالة بين قادة الطرفين. ففي عام 2016، أُفيد بأن جماعة الملا محمد رسول لم ترسل الأموال المتحصلة من تجارة المخدرات في ولايات هلمند وفراه ونيمروز إلى مجلس شورى كويته، الأمر الذي دفع مجلس كويته إلى تنفيذ عملية عسكرية ضد جماعة رسول والقضاء عليها.
مقتل الملا عبد المنان نيازي
عبدالمنان نيازي، القائد المقتول لفصيلٍ منشقّ عن حركة طالبان
أنشأ ملا عبد المنان نيازي، نائباً للملا محمد رسول، قاعدة عسكرية في منطقة جبلية بولاية هرات وكان يوجّه باستمرار انتقادات للملا أختر محمد منصور، ورغم أنه لم يشكّل تهديداً عسكرياً لطالبان، إلا أن جزءاً كبيراً من تجارة المخدرات كان يُهرّب من مناطقه عبر إيران. كان نيازي يخطط لإنشاء مصانع لإنتاج المخدرات في هرات، وتقول المصادر إنه دعا خبراء في تصنيع الهيروين وبدأ فعلياً في إنتاجه داخل منطقته. كما أقام اتصالات مع مهربي المخدرات من قومية البلوش على الجانب الإيراني من الحدود لتسهيل تهريب الهيروين المنتج في أفغانستان إلى إيران. وتشير المصادر إلى أن مجلس كويته شعر بالقلق في ذلك الوقت من أنه إذا واصل نيازي تشغيل مصانع المخدرات في هرات، فسيصبح أقوى اقتصادياً، الأمر الذي سيعزز من قوة جماعته. وفي 12 مايو 2021، تعرّض لهجوم مسلح في مديرية غُذَره بولاية هرات، وتوفي بعد أيام في المستشفى.
حاجي جمعة خان بلوش
كما أنه من بين كبار تجار المخدرات، "حاجي جمعة خان بلوش"، الذي ينحدر من ولاية نيمروز ويُعد من كبار زعماء قوم البلوش، وبدأ منذ عام 1999 بالعمل في تجارة المخدرات. وفي عام 2001، شرع في منطقة بهرامشه الجبلية بولاية هلمند، قرب الحدود مع خط ديورند، في إنتاج الهيروين والاتجار بالأسلحة. ركز جمعة خان بلوش على موقع استراتيجي يسهل التواصل بين المهربين البلوش في أفغانستان وباكستان وإيران. نشرت صحيفة "الغارديان" في 16 أغسطس 2008 مقالاً مطولاً عنه بعنوان "قوة الورد"، ذكرت فيه أنه واحد من بين عشرين مهرباً يديرون تجارة لإنتاج الهيروين تُقدَّر قيمتها بنحو ملياري جنيه إسترليني. اشترى عقارات كثيرة في مدينتي أبوظبي والشارقة، وامتلك سفينة تجارية صغيرة يستخدمها لتهريب الهيروين من باكستان إلى الخارج. كما كانت له صلات مع قادة طالبان، ويُعتبر أحد أهم مصادرهم المالية. وذكر المقال أن جمعة خان بلوش أُلقي القبض عليه في 24 أكتوبر 2008 في جاكرتا بإندونيسيا على يد شرطة الإنتربول، وسُلِّم في اليوم نفسه إلى الأمريكيين وسُجن. إلا أنه أُفرج عنه في 20 أبريل 2018، وبعد الإفراج عنه عاد مجدداً لتجارة المخدرات، وأقام علاقات مع قيادات رفيعة في طالبان، ووفّر لهم مصادر تمويل.
حاجي لعل جان إسحاقزي وفي الأخير، حاجي جان لعل إسحاقزي، الدي ينحدر من ولاية هلمند ويعد من أشهر تجار المخدرات وأحد أبرز الممولين الماليين لحركة طالبان. ففي تقرير صدر عن مجلس الأمن الدولي في فبراير 2015، جاء أن "حاجي لعل جان يتمتع بنفوذ واسع في هلمند، ويُعرف كأحد أكبر الممولين الماليين لطالبان". أُدرج اسمه عام 2011 على قائمة تجار المخدرات، وفي عام 2012 اعتقلته إدارة مكافحة المخدرات في أفغانستان. ووفقاً للتقارير، كانت له علاقات وثيقة مع عائلة الرئيس السابق حامد كرزي، وبمهارة وبطريقة سرية نُقل أولاً من سجن بولي جرخي في كابل إلى سجن قندهار، ثم أُفرج عنه لاحقاً بعد دفعه رشوة. وبعد الإفراج عنه، توجه إلى كويته وعاد للعمل مع مجلس شورى كويته في تأمين الموارد المالية لطالبان.
وتبين التجارب أن كبار المهربين لا يُعتقلون سواء في زمن الحكومة السابقة أو في عهد طالبان الحالي، وإن اعتُقلوا لا يمكثون طويلاً في السجن ويتم الإفراج عنهم بالرشاوى، بينما يقضي صغار المهربين فترات سجن طويلة.