في أعقاب الغارات الجوية التي شنّها الجيش الباكستاني على كابل، أفادت مصادر بأنّ المركبة التي كانت تقلّ زعيم حركة طالبان باكستان، نور ولي محسود، تعرّضت للاستهداف، غير أنّه نجا من الهجوم، كما تشير تقارير إلى أنّ حافظ غل بهادر، أحد القادة العسكريين في الحركة، يتردد أحياناً على العاصمة كابل، وبات يسبّب حرجاً لحركة طالبان الأفغانية.
يُعدّ كل من نور ولي محسود وحافظ غل بهادر من أبرز القادة النافذين في حركة طالبان باكستان، وينحدران من قبائل وزيرستان. وقد لعبا دوراً محورياً في تأسيس الحركة واستمرارها، إضافة إلى جماعات متفرعة عنها. خاض الاثنان معارك طويلة في أفغانستان، وأقاما علاقات وثيقة مع شبكة حقاني وطالبان الأفغانية، كما شاركا في مراحل مختلفة في القتال ضد الجيش الباكستاني.
نور ولي محسود
يُعرف بين مقاتليه بلقب "أبو منصور عاصم"، وكان في السابق قاضياً شرعياً، ثم تولّى قيادة فرع الحركة في كراتشي. وبعد مقتل مولوي فضل الله في غارة أميركية عام 2018، اختاره مجلس شورى الحركة زعيماً جديداً لها.
دوره ومكانته داخل الحركة
عمل محسود بعد توليه القيادة على إعادة بناء الهيكل المتصدّع للحركة، فوحد الفصائل المنشقة مثل "جماعة الأحرار" و"حزب الأحرار"، ووجّه العمليات ضد قوات الأمن الباكستانية. وفي عام 2019 أدرجت الولايات المتحدة اسمه على قائمة "الإرهابيين الدوليين"، كما فرض مجلس الأمن عقوبات عليه. وبحسب مركز مكافحة الإرهاب التابع للأكاديمية العسكرية الأميركية في تقرير عام 2023، فقد سعى محسود إلى تحويل الحركة من تنظيم متشرذم إلى كيان منسّق وذي أهداف محددة، مع تقليص استهداف المدنيين.
علاقته بطالبان الأفغان
شارك نور ولي محسود في القتال داخل أفغانستان خلال تسعينيات القرن الماضي وما بعد عام 2001، ومنذ ذلك الوقت أقام علاقات شخصية وتنظيمية مع طالبان الأفغان. وبعد عودتهم إلى السلطة في كابل عام 2021، عادت تلك الروابط إلى النشاط مجدداً.
ويصف تقرير فريق العقوبات في الأمم المتحدة لعام 2023 العلاقة بين طالبان الأفغان وحركة طالبان باكستان بأنها "وثيقة وتكافلية"، مؤكداً أنّ الأخيرة تستخدم الأراضي الأفغانية لتنظيم هجماتها ضد أهداف داخل باكستان.
كما أظهرت دراسة أعدّها الباحثان "عبد السيد" و"توره هامينغ" لصالح مركز "سي تي سي سنتينيل" التابع للأكاديمية العسكرية في "ويست بوينت" أنّ الحركة بعد 2021 حصلت على أسلحة أكثر تطوراً، وأعادت بناء قيادتها، وركّزت عملياتها على قوات الأمن الباكستانية.
وبحسب معهد دراسات السلام في باكستان (PIPS)، شهد العام 2024 أكثر من 500 هجوم داخل البلاد أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 850 شخصاً. أما في الربع الأول من عام 2025، فأعلن مركز الأبحاث والدراسات الأمنية في باكستان (CRSS)، أنّ البلاد شهدت ارتفاعاً غير مسبوق في مستوى العنف، إذ قُتل نحو 900 شخص في ثلاثة أشهر، معظمهم في ولايتي خيبر بختونخوا وبلوشستان، حيث تُحمّل إسلام آباد حركة طالبان باكستان المسؤولية المباشرة.
وكانت حركة طالبان الأفغانية توسطت عام 2022 في مفاوضات بين الحركة والحكومة الباكستانية انتهت بوقفٍ مؤقت لإطلاق النار، لكنّ طالبان باكستان أعلنت لاحقاً إنهاء الهدنة واستأنفت هجماتها.
ومع ذلك، ظلت الروابط الفكرية والأيديولوجية قائمة، إذ وصفت الحركة الباكستانية "انتصار طالبان في كابل" بأنه "إلهام للجهاد في المنطقة".
ورغم نفي كابل المتكرر، تؤكد السلطات الباكستانية أن قادة طالبان باكستان يقيمون داخل أفغانستان. وقد قال وزير الدفاع الباكستاني قبل ساعات من الغارات الأخيرة في كابل إنّ "صبرنا قد نفد".
الفكر الأيديولوجي
يستند فكر نور ولي محسود إلى المدرسة الديوبندية وإلى فكرة "الجهاد الشرعي ضد الدولة الباكستانية". وفي كتابه "ثورة محسود"، وصف القوانين الوضعية في باكستان بأنها "غير إسلامية"، واعتبر القتال ضدها "واجباً دينياً".
وفي السنوات الأخيرة، حاول تمييز حركته عن تنظيم "داعش خراسان" عبر تقديمها كنسخة أكثر "انضباطاً" من الجهاد المحلي، رغم أن عملياته ما زالت تحصد أرواح مدنيين.
وتُعدّ الغارة التي استهدفته في كابل ثاني هجوم أجنبي داخل العاصمة الأفغانية منذ عودة طالبان إلى الحكم، بعد مقتل أيمن الظواهري، زعيم تنظيم القاعدة، في غارة أميركية عام 2022، وهو ما أثار مجدداً تساؤلات حول وجود الجماعات المتطرفة في البلاد.
حافظ غل بهادر
ينتمي غل بهادر إلى عشيرة "مده خيل" من قبيلة عثمانزي في وزيرستان. وتشير تقارير إلى أنه نشأ في بيئة دينية قبلية تداخلت فيها منذ ثمانينيات القرن الماضي شبكات الجهاد الأفغاني والمقاتلون الأجانب.
وبحسب "مؤسسة جيمزتاون" البحثية، درس العلوم الدينية في إحدى المدارس الديوبندية بمدينة ملتان، وشارك لاحقاً في الحرب الأفغانية، حيث ارتبط تدريجياً بشبكة حقاني. وتذكر بعض المصادر أنه من نسل "ميرزا علي خان المعروف بالفقير إيبي"، أحد رموز المقاومة في وزيرستان ضد البريطانيين ثم ضد الدولة الباكستانية.
من الظهور إلى اتفاقات السلام
برز اسم حافظ غل بهادر عام 2005 مع إطلاق الجيش الباكستاني حملة واسعة لطرد المقاتلين الأجانب من شمال وزيرستان، وكان وقتها أحد القادة المحليين الذين جمعوا بين القتال والتفاوض.
وبعد أشهر من الوساطات القبلية والدينية، وُقّع "اتفاق سلام شمال وزيرستان" في سبتمبر 2006 بمشاركة شخصيات مثل جلال الدين حقاني وملا داد الله، وبحسب تقارير نُسبت حينها رسالة من الملا عمر دعا فيها قادة طالبان المحليين إلى تجنّب الحرب مع الجيش الباكستاني.
بعد الاتفاق، عزّز غل بهادر موقعه كـ"القائد العام لطالبان في شمال وزيرستان"، وفرض نظاماً إدارياً ومالياً في المنطقة يشمل فرض الضرائب وتنفيذ الأحكام الشرعية.
علاقته بحركة طالبان باكستان: قرب وابتعاد
عقب تأسيس حركة طالبان باكستان في ديسمبر 2007، عُيّن نائباً لزعيمها بيت الله محسود، لكنه سرعان ما ابتعد عنها بسبب رفض الملا عمر لتوسيع القتال ضد الدولة الباكستانية، مفضلاً التركيز على الجبهة الأفغانية.
وفي فبراير 2008 توصّل مجدداً إلى تفاهم مع إسلام آباد، وانتقد استخدام بيت الله محسود أراضي شمال وزيرستان للهجوم على الجيش. ثم أسّس في فبراير 2009 مع بيت الله محسود وملا نذير تحالفاً باسم "مجلس اتحاد المجاهدين" لتنسيق القتال في أفغانستان.
وفي نهاية عام 2011، أورد "المعهد الدنماركي للدراسات الدولية (DIIS)، أنه أسّس "مجلس المراقبة" إلى جانب شبكة حقاني وملا نذير، بهدف تجنّب الصدام مع الجيش الباكستاني والتركيز على الحرب في أفغانستان. وقد ظل هذا النهج سائداً بين قادة وزيرستان لسنوات لاحقة.
فصائل فرعية جديدة
منذ عام 2023 برزت تسميات جديدة مثل "تحريك جهاد باكستان" و"جبهة أنصار المهدي - خراسان"، وهي مجموعات يُعتقد أنها تابعة لطالبان باكستان ومرتبطة بفصيل غل بهادر. ولا تختلف هذه الفصائل كثيراً من حيث الأهداف أو أساليب العمل، وتُستخدم غالباً كواجهات إعلامية أو عملياتية في مناطق محددة.
وتُظهر مسيرة غل بهادر صورة "القائد الوسيط" الذي شارك في اتفاقات سلام متعددة كما خاض معارك حدودية دموية. بين عامي 2006 و2014، اختبر جولات متكررة من الصلح والقتال، قبل أن تضعف شبكته بشدة خلال عملية "ضرب عضب" التي شنها الجيش الباكستاني.
الرسالة الباكستانية
خلال الأشهر الماضية، طالبت باكستان مراراً حركة طالبان أفغانستان بكبح نشاط حركة طالبان باكستان داخل أراضيها، لكنّ كابل نفت باستمرار وجود عناصر الحركة لديها. غير أن ظهور نور ولي محسود وغل بهادر في العاصمة الأفغانية كشف عكس ذلك، وأثبت، في نظر مراقبين، أن طالبان لم تكن صادقة لا مع واشنطن ولا مع إسلام آباد.
وباستهداف زعيم طالبان باكستان داخل كابل، وجّهت إسلام آباد رسالة واضحة للعالم بأن العلاقة الأيديولوجية بين طالبان الأفغان وحركة طالبان باكستان أعمق بكثير مما يُعلن، وأنها تمتد من الميدان إلى بنية التنظيم والفكر.