الحوار في ظل انعدام الثقة.. هل تتوصل طالبان وباكستان إلى المصالحة؟

انتهت مفاوضات طالبان وباكستان التي استمرت أربعة أيام في إسطنبول من دون نتائج ملموسة، وسط تبادل الاتهامات بين الجانبين بعدم امتلاك الإرادة الحقيقية للتوصل إلى اتفاق.

انتهت مفاوضات طالبان وباكستان التي استمرت أربعة أيام في إسطنبول من دون نتائج ملموسة، وسط تبادل الاتهامات بين الجانبين بعدم امتلاك الإرادة الحقيقية للتوصل إلى اتفاق.
ويبدو أن مستوى تمثيل الوفدين لعب دوراً في فشل المحادثات، إذ من المقرر أن تُعقد الجولة الثالثة في 6 نوفمبر الجاري على مستوى رفيع.
الجولة الثانية التي كانت مقررة ليومين امتدت إلى أربعة أيام، لكنها وُصفت بأنها أكثر فشلاً من الجولة الأولى التي جرت في الدوحة، حيث تمكّن الطرفان آنذاك من الاتفاق على وقف القتال وإقرار هدنة مؤقتة وتوقيع تفاهم أولي، بينما لم يتحقق في إسطنبول أي تقدّم، بل ازدادت حدة الخطاب بين الجانبين.
فقد حذّرت باكستان من أنها “ستُسقط طالبان وتعيدهم إلى جبال تورا بورا” إذا تواصلت هجمات المسلحين، فيما شنّ قادة طالبان أعنف هجماتهم الكلامية ضد إسلام آباد.
ومع ذلك، نجحت قطر وتركيا في منع انهيار المحادثات كلياً عبر صياغة بيان مشترك أكّد تمديد الهدنة وفتح الطريق أمام جولة ثالثة.
وتشير تصريحات وزير الدفاع الباكستاني إلى أن تركيا تمثل مصالح إسلام آباد، فيما تتولى قطر الدفاع عن مصالح طالبان.
استياء من مستوى التمثيل
البيان الختامي للجولة الثانية عكس استياء الوسطاء من مستوى الوفود المشاركة، إذ ضمّ الجانبان شخصيات من الصفين الثالث والرابع، ما جعل اتخاذ قرارات حاسمة بشأن القضايا المعقدة أمراً صعباً. واستغرق ممثلو الطرفين ساعات في التشاور مع كابل وإسلام آباد قبل أي خطوة.
أما الجولة الأولى في الدوحة، التي شارك فيها مسؤولون رفيعو المستوى، فقد أسفرت عن نتائج سريعة، لذا يُتوقع أن تضم الجولة المقبلة وزراء الدفاع أو الخارجية لزيادة فرص التوصل إلى اتفاق.
جوهر الخلاف
يتمحور الخلاف الرئيسي حول وجود ونشاط “حركة طالبان باكستان” داخل الأراضي الأفغانية. وتطالب إسلام آباد طالبان الأفغانية بتقديم ضمانات خطية بعدم استخدام أراضيها في الهجمات ضد باكستان، ووقف نشاط مقاتلي الحركة، ونقلهم من المناطق الحدودية إلى شمال أفغانستان، مع آلية تحقق من الالتزام بهذه التعهدات.
كما تطالب باكستان بأن يُعلن زعيم طالبان الأفغانية، الملا هبة الله آخوندزاده، “حركة طالبان باكستان” تنظيماً إرهابياً، وهو مطلب يُعدّ غير واقعي نظراً للجذور المشتركة بين الجانبين.
من جهتها، تؤكد طالبان أنها لا تسمح باستخدام الأراضي الأفغانية ضد باكستان، لكنها لا تستطيع ضمان وقف كامل للهجمات داخل الأراضي الباكستانية، مشيرة إلى أن تأمين الحدود الممتدة 2600 كيلومتر، ومعظمها مناطق جبلية وغابات، يتطلب موارد بشرية ومالية ضخمة.
ويرى المراقبون أن توقيع اتفاق يُنهي هجمات طالبان الباكستانية أمر غير ممكن، لأن طالبان الأفغانية لا تمتلك الإرادة السياسية ولا السيطرة الكاملة على مقاتلي الحركة، الذين تربطهم علاقات مع أطراف إقليمية عدة.
نقل المسلحين إلى شمال أفغانستان
موضوع آخر في المفاوضات تمثل في نقل المسلحين من الحدود الباكستانية إلى شمال أفغانستان. فقد نقلت طالبان بالفعل جزءاً من مقاتلي الحركة من ولايات كنر وننغرهار وبكتيا وبكتيكا وخوست إلى مناطق شمالية وجنوبية، لكن التقارير تشير إلى أن النقل لم يكتمل، وأن بعض المقاتلين عادوا إلى الحدود.
وتقول إسلام آباد إن طالبان طلبت 35 مليون دولار مقابل تنفيذ عملية النقل، فيما أقرّ المتحدث باسم طالبان بأن تنفيذ الخطة يتطلب تمويلاً كبيراً.
لكن مراقبين يرون أن نقل المقاتلين لا يحل المشكلة، لأنه يغيّر موقعهم لا أهدافهم، كما يثير مخاوف من “تغيير جغرافية الحرب” و”التركيبة السكانية” في بعض المناطق الأفغانية. كما أن اقتراب المسلحين من حدود طاجيكستان وأوزبكستان يثير قلق موسكو ودوشنبه وطشقند ويفتح الباب أمام توترات جديدة.
آفاق المفاوضات
رغم تصاعد التوتر، يرجّح مراقبون أن الجولة الثالثة في إسطنبول قد تسفر عن اتفاق بضغط من تركيا وقطر اللتين تملكان نفوذاً على الطرفين ولا ترغبان بفشل المسار.
ومع ذلك، تُظهر مواقف الجانبين أن التوصل إلى تسوية شاملة ودائمة لا يزال بعيد المنال، إذ بلغت العلاقات بينهما مرحلة الأزمة القصوى، وانعكست في تبادل التصريحات العدائية.
في الأشهر الأخيرة تغيّرت لهجة المسؤولين والإعلام الباكستاني، إذ بدأ بعضهم يهدد بإسقاط طالبان ويؤكد افتقارها للشرعية الشعبية والدستورية. كما تنشط وسائل إعلام مقربة من الجيش وشخصيات سياسية في انتقاد طالبان ودعم معارضيها، في حين يرد إعلاميو طالبان بخطاب حاد ضد باكستان وجيشها مستخدمين مصطلحات مثل “البنجاب” و”الجيش الباكستاني”، مع تمييز واضح بين الحكومة والشعب الباكستاني.
كما بدأ الخطاب الرسمي في إسلام آباد يتغير، إذ تصف وزارة الخارجية حكومة طالبان بأنها “نظام كابل”، في إشارة إلى تصاعد حدة التوتر وانعدام الثقة في جدوى الحوار.
في المقابل، تتهم طالبان باكستان بالسعي لتنفيذ “مشروع خارجي”. وقال المتحدث باسمها، ذبيح الله مجاهد، إن الجيش الباكستاني “يسعى لخلق أزمة تمهّد لعودة القوات الأميركية إلى قاعدة باغرام”، مشككاً في نيات إسلام آباد لتحقيق السلام.
وبينما تبدو مطالب باكستان صعبة أو مستحيلة التنفيذ، وتُعرف طالبان بعدم التزامها بالاتفاقات، فإن استمرار الأزمة بين الجانبين مرجّح.
وفي خضم ذلك، تحاول طالبان توظيف التوتر مع باكستان لتعزيز موقعها الداخلي، إذ تستثمر في الخطاب القومي الأفغاني لاستعادة دعم الشارع، وتروّج إقليمياً لفكرة أن باكستان تعمل لخدمة الأجندة الأميركية في أفغانستان، ما قرّبها سياسياً من روسيا وإيران ودول آسيا الوسطى.
ورغم هذا التقارب، تبقى باكستان لاعباً محورياً متمرّساً في المشهد الأفغاني، وقد أثبتت قدرتها في الماضي على إسقاط حكومات كابل، وإذا أرادت، يمكنها هذه المرة أيضاً أن تضع طالبان أمام تحديات خطيرة.