هذه اللهجة الجديدة في الخطاب الرسمي الباكستاني، الذي استخدم لأول مرة مصطلح "نظام طالبان" في إشارته للحركة، بعد أربع سنوات كانت تُطلق فيها باكستان على الحركة بـ"الحكومة الأفغانية".
هذا التغيير الكبير في الخطاب الباكستاني تجاه طالبان، اعتبره سياسيون أفغان تحوّلاً جوهرياً في سياسة باكستان، بعد سنوات من دعمها العلني والسري للحركة.
وجاء البيان بعد أيام من اشتباكات عنيفة على طول خط ديورند، استخدم فيها الطرفان الأسلحة الثقيلة، وأغلقت على إثرها المعابر الحدودية الرئيسية بين البلدين، وسط تصعيد متبادل واتهامات باكستانية لطالبان بالسماح لجماعات "فتنة الخوارج" و"فتنة الهند"، وهما حركة طالبان باكستان وجيش تحرير بلوشستان، بشنّ هجمات عبر الحدود.
وفي خضم هذا التوتر، أقرّ وزير الدفاع الباكستاني خواجه آصف بأن بلاده "هي من صنعت طالبان خلال فترة التحالف مع الولايات المتحدة"، لكنه أضاف أن هذه الحركة "أصبحت اليوم غير جديرة بالثقة"، مؤكداً أن إسلام آباد "لن تتسامح بعد الآن مع أي اعتداءات على سيادتها".
ردود فعل مرحّبة
وركّزت ردود الفعل الأفغانية على الفقرة الختامية من البيان، إذ اعتبر المستشار السابق لرئيس المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية، مجيب الرحمن رحيمي، أن هذا التحول في الخطاب الباكستاني "إيجابي من حيث المبدأ"، لكنه شدد على أن حرية الشعب الأفغاني وتشكيل حكومة تعبّر عن إرادته عبر انتخابات حرة ونزيهة هو "حق أساسي وشرط لتحقيق السلام الدائم والتنمية والاستقرار الإقليمي".
ودعا مجيب الرحمن رحيمي، في منشور له على منصة "إكس"، باكستان إلى تحويل هذه "الرغبة" إلى استراتيجية حقيقية تقوم على احترام سيادة أفغانستان ووقف دعم الجماعات المتطرفة.
وعلّق رئيس جهاز الأمن الوطني الأفغاني السابق، أحمد ضياء سراج، على منشور رحيمي، قائلاً إن "ليس لدينا أصدقاء دائمين ولا أعداء أبديين، فالمعيار الدائم والأبدي هو مصالحنا الوطنية"، في إشارة إلى ضرورة التعامل مع هذا التحول الباكستاني بمنطق المصالح لا بالعواطف.
الموقف ذاته عبّر عنه وزير شؤون اللاجئين والعائدين السابق، نور رحمن أخلاقي، مؤكداً أن "السلام والديمقراطية في أفغانستان يصبان في مصلحة أمن وازدهار المنطقة"، داعياً إلى أن تتحول رؤية التحرر إلى سياسة رسمية في المنطقة، لا إلى أمنية عابرة.
أما المندوب الدائم لأفغانستان لدى الأمم المتحدة في جنيف، نصير أحمد أنديشه، فاعتبر الفقرة الأخيرة من البيان الباكستاني "انعكاساً لهدف المقاومة في مواجهة التطرف الطالباني"، وقال إن العلاقة بين أفغانستان وباكستان، يجب أن تنتقل من مرحلة العداء والتدخل، إلى مرحلة الاحترام المتبادل والدعم لنظام ديمقراطي حقيقي في البلاد.
لكنّ التعليقات لم تقتصر على السياسيين الأفغان، إذ دخل المبعوث الأميركي السابق زلمي خليلزاد على الخط، وردّ بسخرية على ما اعتبره "تناقضاً باكستانياً"، مشيراً إلى أن "المؤسسة العسكرية هي من تدير البلاد بعد أن سجنت -رئيس الوزراء السابق- عمران خان وأجرت انتخابات صورية".
ودعا المبعوث الأميركي السابق، إسلام أباد إلى "الانشغال بإنهاء التمرّدين الكبيرين في بلوشستان وخيبر بختونخوا بدلاً من إعطاء النصائح للآخرين".
لكنّ البرلمانية الأفغانية السابقة فوزية كوفي، وجهت انتقاداً حاداً إلى زلمي خليلزاد، رداً على منشوره في منصة "إكس"، قائلة إنه "لا أحد ساهم في سقوط الحكومة الأفغانية السابقة مثله"، وأنه "سلّم البلاد لطالبان" مستخدماً سلطته كمبعوث خاص، معتبرة أنه "لم يعد يمثل أحداً سوى طالبان".
واتهمت فوزية كوفي، المبعوث الأميركي السابق، بأنه يستمر من خلال دعمه لطالبان في "تبييض الأفعال التي تمارسها الحركة التي نصّبتموها" في أفغانستان، وخاطبته قائلة: "لقد عزلت نفسك عن الناس والقيم الإنسانية، بتحريفك للحقائق".
ويأتي هذا الجدل في وقتٍ استضافت فيه باكستان، للمرة الأولى منذ عودة طالبان إلى الحكم، اجتماعاً لعدد من شخصيات المعارضة الأفغانية في 27 و28 سبتمبر الماضي، في خطوة وُصفت بأنها تحوّل لافت في سياسة إسلام آباد تجاه كابل، إذ فتحت أراضيها مجدداً للنقاش حول مستقبل الحكم في أفغانستان، بعدما كانت على مدى عقدين الحاضن السياسي لطالبان.
ويرى مراقبون أن ما تشهده العلاقة بين الطرفين ليس مجرد أزمة واشتباكات حدودية، بل تمثل بداية تغيير في ميزان العلاقة التاريخية بين باكستان وطالبان، خصوصاً بعد أن وسّعت الأخيرة علاقاتها مع الهند، التي هي العدو اللدود لباكستان.